وحدة الألم والدموع

الراجح
الراجح

يقول غسان كنفاني: “كلّ دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقاً صغيراً يتّسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود”، فكيف إذا كان المقتول؟

ولكلّ أولئك الهاربين بأرواحهم من جحيم الوقت، يحملون تاريخاً مفصّلاً لحياتهم في تلك المنطقة من الوطن “الجنوب”؛ لكلّ أولئك الّذين يركضون نحو البعيد، منتشين بالخيبة وعيونهم مقاصل لأحلام لم تكتمل، بين الأرض والسماء يتأرجحون… أرض تحترق… وسماء تأخر غيثها، سأروي ما أعتقد قالته الأم لبناتها: “تستطيعون اختيار شيئ واحد تحملونه معكنّ. أظنّنا لن نعود إلى هذه الأرض التي تمطر موتاً منذ سنين وسنين”. أنا أتخيّل أن الصّغيرة حملت قطتها الصغيرة جداً، والثانية قيثارتها، والكبيرة ما يهمها من كتب. أمّا الأم، فأعتقد أنها حملت صورتها وهي عروس في طرحتها البيضاء وإلى جانبها رجل – رجلٌ يحتضنها بعشق. لم تكن تعلم أن رقصة الموت قد بدأت حين ذهبت مع بناتها في طريق الحياة والحرب لتصبح طريق الموت. لم أسهُ عن الجدّة لأنّها حملت ماضياً وحاضراً، وأعتقد مستقبلاً أيضاً، حيث كانت شجرةً ذات جذور تستعصي على القلع.

ففي زمن الحرب الأشياء تتغير. الآن نجمع أسماء من صعدوا إلى السّماء؛ نحاول حفظ أسمائهم، فنرتبها وفق حروف الهجاء أو لون العيون والشعر أو أسماء أحبائهم. نحاول أن نجعل لكل منهم ما يليق به من الرثاء…

في زمن الحرب يلوذ الأحياء بالأموات ويشعرون بالأمان عند شواهد قبورهم. فالمقبرة تتحول الى مدينة تعج بالحياة ليلاً، وبسكّان لا يخافون ولا يهربون من سقوط القذائف بالقرب منهم.

شارك المقال