هل ما تزال “بيروت العربية للسلام” صالحة؟

عاصم عبد الرحمن

المكان: بيروت، الزمان: 28 آذار 2002، المكان: المملكة العربية السعودية، الزمان: 11 تشرين الثاني 2023، الحدث: قمة عربية والموضوع الأساس: فلسطين. ففي بيروت عقدت قمة عربية كان محورها الرئيس إطلاق ولي العهد السعودي آنذاك الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرة عربية لحل الصراع العربي – الاسرائيلي بدأت إرهاصاتها الأولى في إحدى القمم العربية التي عقدت في ثمانينيات القرن الماضي في المغرب. اليوم وبعد أكثر من عشرين عاماً وعلى وقع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة تُعقد قمة عربية استثنائية في السعودية لمناقشة الأوضاع السياسية والعسكرية والانسانية في فلسطين، أوضاعٌ أعادت إلى الواجهة مبادرة بيروت العربية للسلام وهي ما لفت إليها الرئيس الفلسطيني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول الفائت أي ما قبل انفجار “طوفان الأقصى”. فبين التضحيات الفلسطينية والارهاب الصهيوني والتعنت الاسرائيلي في رفض الحلول السياسية هل ما تزال هذه المبادرة منطلقاً ممكناً لأي مفاوضات ديبلوماسية فوق الصفيح الغزاوي الساخن حول مستقبل فلسطين المحتلة؟

نص المبادرة العربية للسلام

بإجماع عربي صدرت عن قمة بيروت العربية في العام 2002 مبادرة تسووية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي تحت شعار السلام العادل والشامل، وحظيت هذه المبادرة بتأييد دولي وإقليمي شُكّلت من أجل تنفيذها لجنة متابعة على مختلف الصعد، أما بنود هذه المبادرة فهي على الشكل الآتي:

“إنَّ مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته العادية الـ 14 يؤكد ما أقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في حزيران 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل في هذا الصدد. وعليه أعلن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز عن مبادرته داعياً إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذاً لقراريَ مجلس الأمن 242 و338 اللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

وانطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف:

1- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً.

2- كما يطالبها بالقيام بما يلي:

أ – الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران 1967 والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

3- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:

أ – اعتبار النزاع العربي – الاسرائيلي منتهياً والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

4- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

5- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والاسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حمايةً لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.

6- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.

7- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لاجراء الاتصالات اللازمة حول هذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على المستويات كافة وفي مقدمها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والإتحاد الأوروبي.

 قرارات دولية ذات صلة

استندت مبادرة بيروت العربية للسلام الى ثلاثة قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن الدولي تتمحور حول حقوق الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم التي هُجّروا منها بقوة الآلة الصهيونية المتوحشة منذ العام 1909 نعرضها وفقاً للشكل الآتي:

القرار 242

هو قرار أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 تشرين الثاني 1967 على أثر الحرب العربية – الإسرائيلية التي اندلعت في حزيران 1967 والتي مُنيَت فيها الجيوش العربية بهزيمة واحتلال العدو الإسرائيلي لمزيد من الأراضي العربية، وفي ما يلي نص القرار:

1- يؤكد أن تحقيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كِلا المبدأين التاليين:

أ – سحب القوات المسلحة من أراضٍ (الأراضي) التي احتلتها في النزاع.

ب – إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.

2- يؤكد الحاجة إلى:

أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.

ب- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

ج – ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق اجراءات بينها وإقامة مناطق مجردة من السلاح.

د- وقف إطلاق النار.

وتجدر الاشارة إلى أنه ورد في المادة 1 الفقرة أ: انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير وقد حُذفت “ال” التعريف من كلمة “الأراضي” في النص الإنكليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار.

القرار 338

صدر هذا القرار عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22 تشرين الأول 1973، طالب بوقف إطلاق النار ودعا إلى تنفيذ القرار 242 وقد نصَّ على الآتي:

1- يدعو جميع الأطراف المشتركة في القتال الدائر حالياً إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة، وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فوراً في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها الآن.

2- يدعو جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النار بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) بجميع أجزائه.

3- يقرر أن تبدأ فور وقف إطلاق النار وخلاله، مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

القرار 194

يعتبر القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة أساساً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية إذ يتمحور حول حق العودة الذي يستفرس العدو الصهيوني ويصب جلَّ قدراته لإسقاط هذا الحق، وينصُّ هذا القرار الصادر بتاريخ 11 كانون الأول 1948 على ما يلي:

“إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل”.

إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وأثناء مناقشة الوضع الفلسطيني:

1- تعرب عن عميق تقديرها الذي تم بفضل المساعي الحميدة المبذولة من وسيط الأمم المتحدة الراحل (الديبلوماسي السويدي الكونت فولك برنادوت الذي اقترح عبر خطته للسلام بقاء القدس بأكملها تحت السيادة العربية وعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم القوات الصهيونية داعياً إلى استعادة ممتلكاتهم فاغتالته عصابات الهاغانه والأرغون الصهيونية في 17 أيلول 1948) في سبيل تعزيز تسوية سلمية للحالة المستقبلية في فلسطين، تلك التسوية التي ضحى من أجلها بحياته. وتشكر للوسيط بالوكالة ولموظفيه جهودهم المتواصلة وتفانيهم للواجب في فلسطين.

2- تنشئ لجنة توفيق مكونة من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة تكون لها المهمات التالية:

أ- القيام – بقدر ما ترى أن الظروف القائمة تستلزم – بالمهمات التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 (د أ-2) الصادر في 14 أيار سنة 1948.

ب- تنفيذ المهمات والتوجيهات المحددة التي يصدرها إليها القرار الحالي وتلك المهمات والتوجيهات الإضافية التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة أو مجلس الأمن.

ج- القيام – بناء على طلب مجلس الأمن – بأي مهمة تكلها حالياً قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة. وينتهي دور الوسيط بناء على طلب مجلس الأمن من لجنة التوفيق القيام بجميع المهمات المتبقية التي ما تزال قرارات مجلس الأمن تكلها إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين.

3- تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة – مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية – اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث التي ستتكون منها لجنة التوفيق على الجمعية العامة لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية.

4- تطلب من اللجنة أن تبدأ عملها فوراً حتى تقيم في أقرب وقت علاقات بين الأطراف ذاتها، وبين هذه الأطراف واللجنة.

5- تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني سنة 1948، وإلى البحث عن اتفاق عن طريق مفاوضات تجري إما مباشرة أو مع لجنة التوفيق بغية إجراء تسوية نهائية لجميع المسائل المعلقة بينها.

6- تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق لاتخاذ التدابير بغية معاونة الحكومات والسلطات المعنية لإحراز تسوية نهائية لجميع المسائل المعلقة بينها.

الموقف الإسرائيلي من المبادرة

على وقع إطلاق مبادرة بيروت العربية للسلام تفاوتت آراء القادة السياسيين في إسرائيل والتي جاءت متناقضة حيناً ومتطرفة أحياناً لعل أبرزها رفض رئيس الوزراء في ذلك الوقت أرييل شارون الذي رفض الاقتراح رفضاً قاطعاً على أساس أنه يتطلب من إسرائيل قبول عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين وأنه يتجاوز “الخطوط الحمر” الإسرائيلية.

في المقابل رفض شيمون بيريز، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها المبادرة، وقال: “إن هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات”، معتبراً أنَّ “هناك طريقة واحدة فقط للتغلب على خلافاتنا وهي المفاوضات وبالإملاءات لن يتمكن الفلسطينيون ولا العرب ولا نحن من التوصل إلى حل”.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت فقد وصف المبادرة المطروحة من العرب بأنها “تغيير ثوري”، مع رفض العناصر المتعلقة بعودة اللاجئين.

إلا أن آراء رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو قد تبدلت وتناقضت حيال المبادرة غير مرة، ففي العام 2007 “رفضها” أما في العام 2016 فاعتبرها “فكرة عامة وجيدة”، ثم عاد ورفضها بعد ذلك مرة أخرى كأساس للمفاوضات وذلك في العام 2018، مشيراً إلى أنَّ “المبادرة العربية تتضمن عناصر إيجابية، ولكن من الواضح أنه يجب تحديثها مع الأخذ في الاعتبار التغييرات التي طرأت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة”.

وأضاف أن “بإمكان المبادرة العربية أن تكون ذات صلة شرط إلغاء بعض مطالبها حول الانسحاب الإسرائيلي واللاجئين الفلسطينيين” وهنا بيت القصيد في أي مبادرة طُرحت سابقاً أو قد تُطرح في المستقبل.

تجدر الاشارة إلى أنه وبحسب أرقام الأمم المتحدة فإنَّ هناك نحو 700 ألف مستوطن يعيشون الآن في أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية اللتين من المفترض أن تكونا محور أي دولة فلسطينية في المستقبل في حين يتواصل بناء المستوطنات الاسرائيلية بسرعة كبيرة.

ويقدر عدد الفلسطينيين بنحو 5.48 ملايين نسمة وفق تقرير إحصائي فلسطيني رسمي (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني) حتى منتصف العام الجاري، يعيش في الضفة الغربية نحو 3.25 ملايين نسمة على مساحة 5860 كلم2 ويعيش في غزة نحو 2.2 مليون نسمة على مساحة 365 كلم2.

صلاحية المبادرة العربية

مبادرة بيروت العربية سلامٌ جنح إليه العرب ومال عنه الإسرائيليون لا بل رفضوه بشدة واتجهوا نحو اعتناق خيارات أكثر تطرفاً وإرهاباً كان أسوأها ما طرحه وزير السياحة السابق الحاخام بنيامين إيلون إذ دعا إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية وغزة ثم دعا إلى توطين أهالي الضفة في الأردن مع بقائهم كجالية فلسطينية أو أردنية في فلسطين. إذاً، تعددت المبادرات العالمية والإقليمية والعربية والنتيجة واحدة إرهاب صهيوني متمدد وقهر فلسطيني مستمر فقأت عملية “طوفان الأقصى” بعضاً من جراحاته الملتهبة منذ عقود مضت وما تزال.

وفي سياق المبادرة العربية للسلام يقول رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في “مؤسسة القدس الدولية” الدكتور هشام يعقوب لـ “لبنان الكبير”: “إنَّ الإحتلال الإسرائيلي جعل من المستحيل تنفيذ المبادرة العربية للسلام التي أعلنها زعماء العرب في قمة بيروت عام 2002. وتتحدث هذه المبادرة في بنودها عن أربع قضايا هي:

– انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية التي احتلها بعد الرابع من حزيران 1967، ومن الأراضي اللبنانية والسورية المحتلة.

– إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

– إيجاد حل شامل وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194.

– بعد تطبيق هذه البنود أعلاه، يعلن زعماء العرب أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي قد انتهى ويتم تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية”.

يضيف يعقوب: “إذا نظرنا إلى مضامين هذه المبادرة نجد أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بأي أمر فيها، بل على العكس من ذلك، فقد واصل مصادرة الأراضي الفلسطينية، وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها، واستمر في تهويد القدس وزرع المستوطنات وغير ذلك من سياسات جعلت من الاستحالة إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران. بالإضافة إلى استمرار احتلال بعض المناطق اللبنانية الجنوبية والجولان السوري. فالاحتلال يريد أن يقفز عن الالتزامات المطلوبة منه ويريد أن يذهب مباشرة إلى تحقيق غايته في التطبيع بهدف دمجه في منطقتنا وتوفير الأمان والتكامل الاقتصادي له”.

ويتابع يعقوب: “في جميع الأحوال يمكن القول إن هذه المبادرة لم تعد مقبولة لدى السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني بعد معركة طوفان الأقصى التي وضعت الشعب الفلسطيني ومقاومته في موقع المبادرة، وبعد كل التضحيات والبطولات التي قدمها الشعب الفلسطيني. إن الجرائم التي اقترفها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة وضد المنازل والبنى التحتية رسخت في أذهان الفلسطينيين أنه لا مجال للتجاور مع احتلال بهذه العقلية الإرهابية، ولا مجال لإبرام سلام معه، علماً أن الاحتلال هو الذي يعرقل كل جهود السلام ويتقدم يوميّاً بفرض وقائع استيطانية تجعل منه أمراً مستحيل التحقيق”.

أما المتخصص في السياسات العربية والصحافي المصري حامد فتحي فيقول لـ “لبنان الكبير”: “ما تزال مبادرة بيروت العربية للسلام صالحة على اعتبار أنّها ترجمة لحقوق الشعب الفلسطيني وفق قرارات مجلس الأمن الدولي وعموماً الموقف القانوني الدولي، ووفق الأساس القانوني نفسه وُقع اتفاقا مدريد وأوسلو وتأسست السلطة الفلسطينية، وهي الحلّ الذي يحظى باعتراف القانون والمجتمع الدوليين. لكن ما سبق هو الأساس النظري، أما على أرض الواقع فلا بديل عن التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية، ولا يوجد خيار آخر واقعي وممكن”.

ويضيف فتحي: “أما ما يهدد صلاحية تلك المبادرة فهي الممارسات الإسرائيلية لتقويض إقامة دولة فلسطينية، وعلى رأس ذلك الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية الذي هو عبارة عن تحويل القضية من إقامة الدولة على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967 إلى قضية تتعلق بالاستيطان. بكل أسف لم تعد مبادرة السلام العربية ممكنة التطبيق بسبب الاستيطان والتعنت الإسرائيلي، وعدم وجود أوراق ضغط للدفع نحو تطبيقها، فحتى اللاعب الأساس وراء المبادرة وهي السعودية باتت على وشك التطبيع مع إسرائيل من دون الالتفات إلى المبادرة التي طرحتها سابقاً”.

وبخصوص تطلعات الشعب الفلسطيني، يقول فتحي: “من الواضح أنّ تلك التطلعات ليست أولوية لأحد فقضية فلسطين لا تتعلق بالتطلعات بل بالممكن في ظل الخسارة المستمرة للقضية منذ عقود. إذا أخذنا التطلعات الفلسطينية فهي ليست واحدة؛ هناك الموقف الرسمي الذي تعبّر عنه منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي تقبل بحلّ الدولتين وبالمبادرة العربية للسلام، بينما هناك فصائل ترفض حلّ الدولتين وتتمسك بإنهاء وجود إسرائيل، لكن هذا الهدف لم يعد ممكناً وفق معطيات الواقع. فعلى سبيل المثال إن المقاومة المسلحة في غزة التي تتبنى تطلعات تفوق ما طرحته المبادرة العربية للسلام وحلّ الدولتين لم تحقق شيئاً، بل خسرت الكثير في الحرب الجارية في غزة، بغض النظر عما أحدثته من خسائر في إسرائيل، فمع نهاية الحرب من المحتمل أن تخسر أجزاء واسعة من القطاع، فضلاً عن الأزمة الإنسانية التي خلقتها إسرائيل في القطاع، والتي تعتبر إستراتيجية جديدة لإشغال القطاع داخلياً، كما تشغل الفلسطينيين في الضفة والقدس الشرقية بالاستيطان. وعلى المنوال نفسه بالنسبة الى التطلعات العربية التي لا فعالية لها، وخلاصة القول إنّ تطلعات الشعوب ليست ذات أهمية في ما يخص مجريات القضية الفلسطينية، والمهم هو مجريات الواقع التي لا تسير في صالح الحقّ الفلسطيني”.

ويختم فتحي بالقول: “إنَّ المبادرة العربية للسلام يجب أنّ تظل صالحة، وعلى الدول العربية مسؤولية كبيرة للحفاظ عليها لأنها ترجمة لمبدأ حلّ الدولتين، وإن تخلى المحيط العربي عن دعم ذلك الحلّ فمعناه أنّه سيأتي يومٌ لن يكون أمام الفلسطينيين فيه سوى القبول بما هو دون ذلك الحل، أو الاستمرار في الوضع الحالي من تأزم متقطع بينما تستولي إسرائيل على الأرض وتقوّض أي آفاق ممكنة للسلام بل وتعمل على تصفية القضية”.

لا شك في أن أزمة سياسية كبيرة ستنفجر في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر تطرفاً وإرهاباً بنيامين نتنياهو بعد انتهاء عدوانه على أطفال غزة وشيوخها وسيدفع ثمن تقصيره في حماية مَنْ يدعون زوراً امتلاكهم للأرض والتاريخ والتراث في القدس وفلسطين. وفي هذا الوقت يحاول القادة العرب ومن خلال قمة استثنائية تُعقد في السعودية في اليومين المقبلين إيجاد حلول لوقف طوفان الدم الذي تتسبب به العصابات الصهيونية المدعومة غربياً على مستوى الحكومات مادياً ومعنوياً على وقع تراجع نسبة المتعاطفين شعبياً مع إسرائيل وفق ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. محاولاتٌ عربية إذاً ترافقها طروح عديدة تتمحور حول إدارة قطاع غزة في ما يسمى بـ”مرحلة ما بعد حماس” في حين يرفض المصريون والأردنيون أي تهجير للفلسطينيين إلى بلادهم وهو ما تسعى إليه إسرائيل بهدف تصفية القضية الفلسطينية لتبقى الكلمة الحاسمة في ميدان معركة “طوفان الأقصى” الذي سيكون له من دون أدنى شك كلام آخر يُكتب بدماء الغزاويين الذين شقوا دروب الأنفاق بسواعد الملثمين الذين أسقطوا هيبة الكيان الصهيوني تحت أقدام أطفال غزة ونسائها وشيوخها الأحرار.

شارك المقال