الشكاوى إلى مجلس الأمن تنفع ولكن…

محمد شمس الدين

بعد المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل بحق 3 طفلات وجدتهن منذ حوالي الأسبوع، تحرك لبنان الرسمي عبر تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، وهي شكوى جديدة تضاف إلى عشرات إن لم تكن مئات الشكاوى التي قدمها لبنان عبر السنين، ويعتبر اللبنانيون أنها لا تقدم ولا تؤخر، كون مجلس الأمن محكوم بتوازنات دولية كبرى، فيه 5 فيتوات، ومنها للولايات المتحدة الأميركية التي تقف عقبة أمام ما قد يدين الكيان الاسرائيلي أو يهدده، فهل هناك جدوى فعلية من هذه الشكاوى؟

النائب السابق غسان مخيبر يرى في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الشكاوى لا بد منها، تحديداً أن لبنان استطاع انتزاع قرارات مهمة في السابق مثل القرار 425 ولاحقاً القرار 1701، أو القرار المتعلق بتعويض اسرائيل على لبنان اثر تلويث البحر في اعتداءاتها في حرب تموز 2006 والذي صدر عن الجمعية العمومية”، لافتاً الى أن “هناك مجموعة من الأعمال في الأمم المتحدة إن كان في الجمعية العمومية أو في اللجان المختصة بحقوق الانسان تعزز موقف لبنان المعنوي، ولكن للأسف هناك دائماً إهمال لخط الدفاع القانوني الأول، الذي يشكل أهمية بقدر الدفاع العسكري والديبلوماسي، على سبيل المثال، أهمل لبنان عام 2006 التحرك الجدي أمام الهيئات الدولية بجرائم حرب اسرائيل، وكنت قد ترأست في حينه أعمال لجنة، جمعت أدلة بجرائم حرب اسرائيلية خلال عدوان تموز 2006، ورفعنا طلباً إلى مجلس الوزراء، داعين الى انضمام لبنان لمعاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعطي لبنان إمكان التحرك على المستوى الجنائي ضد اسرائيل، وتفسح المجال بصورة أوسع لملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين، ولكن لبنان لم ينضم إلى اليوم، علماً أن فلسطين لجأت إلى هذه الآلية، وأنا أعيد تكرار هذا المطلب اليوم”.

يضيف مخيبر: “الدولة يجب أن تلجأ إلى ثلاثة مستويات، مجلس الأمن والجمعية العمومية، الأدوات الأخرى المرتبطة بالقانون الانساني الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية، التي برأيي لبنان مقصر في عدم الانضمام إليها، فإذا جمعت أدلة بخصوص مقتل الصحافي عصام عبد الله، والفتيات الثلاث مع جدتهن، هذه جرائم حرب موصوفة، ويمكن للجنائية الدولية أن تلاحق المجرمين المرتكبين الاسرائيليين في هذه الحالة” . وأوضح أنه “يمكن تقديم طلب لدى المدعي العام للمحكمة عمران خان، إلا أنه غير ملزم بالتحرك، أما إذا انضم لبنان الى المعاهدة فيصبح ملزماً”.

ويعتبر مخيبر أن “هذا مسلك قانوني يحجم عنه لبنان، إما بعدم إنضمامه الى هذه المحكمة، أو بعدم إحالة الجرائم على المدعي العام”، قائلاً: “أعلم أن اللبنانيين ينظرون الى هذه الاجراءات على أنها غير فاعلة، ولكن يجب علينا التمسك بهذه القواعد للقانون الدولي، ونظهر باللغة القانونية مدى مخالفة اسرائيل لها، والعدو يستعمل هذه الأداة بحنكة وذكاء كبيرين، بحيث يجند جيشاً من القانونيين لتشريع جرائمه، حتى عبر الاعلام بينما لبنان غافل عن هذا البعد القانوني للمعركة مع اسرائيل”.

أما استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية حسن الجوني، فأيد كلام مخيبر من ناحية ضرورة تقديم الشكاوى، مشيراً إلى أن “لبنان كدولة عضو في الأمم المتحدة عليه أن يقوم بما هو مسموح في الميثاق، الذي ينص على أن يقدم شكوى أمام المجلس، ويكون التقويم للأخير، أما مصير الشكوى فهذا شأن آخر، كون المجلس محكوم بتوازنات دولية وفيتو، ولكن على لبنان تقديمها”.

ويلفت الجوني إلى أن “هناك قرارات اتخذت تخدم لبنان أو ليست لمصلحة اسرائيل، كالقرارات 425 أو 426، أو المطالبة بانسحاب اسرائيل من الجولان”، مستدركاً: “الفيتو الأميركي والبريطاني جاهز دوماً لحماية اسرائيل، وحتى قد لا يجتمع المجلس في حال تمت الدعوة الى عقد جلسة اثر شكوى ما، والأمر ليس متعلقاً بلبنان وحسب، بل هناك حالات عديدة حول العالم، وذلك يعود إلى رفض دول دائمة العضوية في المجلس الحضور، إلا أن هناك بعض القرارات التي تمر، وتغض النظر عنها أميركا، كون لبنان ليس بلداً معادياً لها، ولذلك الشكوى مهمة ويجب أن يتم تقديمها، بغض النظر عن نتائجها”.

ويوافق الجوني على أن لبنان يمكن أن يكون فاعلاً أكثر على الصعيد الدولي، معتبراً أنه “على الرغم من الحضور الكبير للبنان في مجلس حقوق الانسان، يمكن أن يطلب اجتماع الجمعية العامة لمجلس الأمن، أو التوجه إلى المحكمة الدولية، بشرط أن يكون درس الأمر من أصحاب الاختصاص قبل ذلك، لأن الموضوع معقد، ويجب أن يشكل وفوداً إلى الدول، تحديداً الدول الخمس التي تمتلك حق نقض الفيتو، ويفترض أن يتحرك السفير اللبناني في فرنسا وبريطانيا وغيرهم، ويتوجه إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، ويمكن إصدار مذكرات توزع على كل الهيئات الديبلوماسية في العالم، وهذا أمر مهم جداً”.

إذاً الشكاوى قد تبدو غير فاعلة، ولكن قد يستطيع لبنان تمرير قرارات لصالحه ضد العدو الاسرائيلي، ولا سيما إذا ما فعّل الجبهات الديبلوماسية والقانونية التي يمتلكها، في ظل وجود دول صديقة وعلى علاقة جيدة معه يمكن أن تساعد لبنان في تحقيق هذه القرارات، ولكن كل هذا سيكون صعباً في بلد يعيش الانقسام في أقل ملف، ويتآكله الفراغ في أعلى المؤسسات مستوى، ومن دون تحصين الجبهة الداخلية والتوافق، لا يمكن للبنان أن يربح ديبلوماسياً في المحافل الدولية.

شارك المقال