“عض أصابع” في ميدان غزة

زاهر أبو حمدة

من الاشكاليات الأساسية في المعركة البرية والعدوان الاسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أن الحقائق لا تقال دائماً. هذا ليس عندنا كعرب إنما عند الاحتلال أيضاً. صحيح أن قوات الاحتلال تمكنت من التقدم في بعض المحاور بعد قصف القطاع بـ 30 ألف طن من المتفجرات على شكل قذائف وقنابل ارتجاجية وزلزالية وفوسفورية وانشطارية…الخ. وما يحاول الاحتلال فعله في الساعات المقبلة هو التقدم باتجاه مستشفى الشفاء بعد تهيئة الرأي العام على أن أسفله مركز قيادة وسيطرة للمقاومة، وتصوير ذلك انجازاً كبيراً. إضافة إلى اقتحام مخيم الشاطئ ورفع العلم فوق منزل إسماعيل هنية.

لكن وسط كل النزيف الفلسطيني المستمر، لم يستطع هذا الجيش المدجج بكل أنواع الأسلحة وحشد أكثر من 300 ألف جندي التوغل نحو مدينة غزة بعد ما يقرب من 35 يوماً على بدء العدوان. وتنقل صحيفة “وول ستريت جورنال” عن جنود اسرائيليين ومسؤولين حاليين وسابقين أن “القوات الاسرائيلية مع اقترابها من وسط مدينة غزة، فإنها تواجه مقاتلي حماس المتحصنين بأعداد كبيرة الذين يهاجمون ثم ينسحبون أو يختفون تحت الأرض، ما يبطئ التقدم الاسرائيلي. وقال نقيب إسرائيلي قاد وحدة دبابات احتياطية إلى شمال غزة إنه كلما توغلنا أكثر، أصبحت المعركة أصعب”. وهنا يظهر عامل آخر يضغط على الاحتلال وهو الوقت، فاستمرار المعركة يعني أن الاقتصاد يخسر أكثر والضغط الدولي يرتفع والأهم أن ذلك يشكك في القدرة الاسرائيلية على الحسم، وهذا ما قاله مصدر إسرائيلي للصحيفة: “إن مجتمع الاستخبارات الأميركي يشكك في قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها العسكري المعلن المتمثل في القضاء على حماس”. في حين أعلنها صراحة الرئيس السابق للقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال ماتان فيلناي: “القضية الرئيسة الآن هي الوقت”. وأضاف: “حماس ربما تحتفظ بقواتها استعداداً لمعركة أكثر كثافة داخل مدينة غزة”. وهذا صحيح، فمصدر في المقاومة الفلسطينية يؤكد أنها “قادرة على الاستمرار في القتال لأكثر من عام، وأن المشكلة الأساسية بالنسبة الى الاحتلال أنه يدفع بقوات كبيرة مع كتلة نارية وتدميرية هائلة ومع ذلك لم يستطع تثبيت قواته في مناطق كثيرة، ولم ينزل الجنود حتى الآن الى الميدان؛ إنما يتحصنون بالمدرعات”.

وعليه، تبدو المعركة طويلة ودخلت الأمور في مربع “عض الأصابع” ومن يصرخ أولاً. ويحاول الاحتلال البحث عن انجاز يرضيه للقبول بوقف إطلاق النار والنزول عن الشجرة، وإن وافق على هدن لساعات محدودة فالمشكلة الميدانية ستبقى تؤرقه لأنه حتى الآن لا يستطيع وقف الهجمات الفلسطينية إن كان بالصواريخ في العمق أو بالقذائف المتوسطة المدى كالهاون. والأهم أنه لم يستطع الوصول إلى مكان الأسرى. وسيجد بنيامين نتنياهو، مضطراً في النهاية الى القبول بصفقة تبادل جزئية أو شاملة.

في المقابل، تتعرض المقاومة لضغوط سياسية وكذلك ميدانية. فالحصار الاسرائيلي المتواصل ومنع دخول المساعدات الانسانية والاغاثية والدوائية والمشتقات النفطية، يُعرّض أكثر من 2 مليوني انسان إلى خطر المجاعة والموت البطيء. من هنا سيواصل الفلسطينيون الصمود لأن لا خيار آخر لديهم. فالاحتلال يريد كسر الشعب الفلسطيني كله وليس غزة أو فصيلاً واحداً، والمعركة بأبعادها المستقبلية تحكي بقاء القضية الفلسطينية؛ لذلك الميدان انعكاس واضح للخطط والمتوقع لأجيال قادمة.

شارك المقال