غزة ما بعد “حماس” أفضل مع “السلطة”؟

عبدالرحمن قنديل

على الرغم من إستمرار العدوان على غزة، بدأ الحديث عن مستقبل القطاع بعد انتهاء القتال، وكثرت التساؤلات حول مستقبله بعد حركة “حماس” أو القضاء عليها إن كان من خلال كما يقال عودة غزة إلى إدارة السلطة الفلسطينية أو أن تكون تحت الادارة الاسرائيلية أو الادارة المصرية. والحديث عن مستقبل غزة أتى بالتزامن مع شرط اسرائيل عن إستعدادها لوقف القتال مقابل خروج قادة “حماس” من القطاع وأن يكون خالياً منها.

ويبدو تسليم حكم غزة إلى السلطة الفلسطينية بعد الاجتياح البري للقطاع المحاصر السيناريو الأكثر ترجيحاً مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن السلطة الفلسطينية مستعدة لتسلم مسؤولية قطاع غزة في إطار حل سياسي شامل، مؤكداً أن “قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وسنتحمل مسؤولياتنا كاملة في إطار حل سياسي شامل على كل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة”.

وتوعدت إسرائيل بالقضاء على حركة “حماس” التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007، وأتت تلك السيطرة بعد عامين من انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة، واثر اشتباكات داخلية انتهت بطرد السلطة الفلسطينية منها، وفرضت إسرائيل منذ ذلك الحين حصاراً على القطاع الذي تبلغ مساحته 362 كيلومتراً مربعاً ويقطنه 2.4 مليون نسمة.

وضعت إسرائيل لنفسها هدفاً هو القضاء على حركة “حماس”، على الرغم من عدم تحديد تصوّرها لمستقبل القطاع في حال حققت هدفها المعلن، ولكن هذا المستقبل يبقى مفتوحاً على سيناريوهات متعددة، مع تزايد الحديث عنه بعد “حماس”، فكيف كانت إدارة القطاع قبل السيطرة عليه من “حماس” عام 2007 وكيف أصبحت؟

السلطة الوطنية الفلسطينية هي هيئة الحكم الذاتي المؤقتة التي تأسست في العام 1994 عقب اتفاق غزة – أريحا لحكم قطاع غزة في الضفة الغربية، كنتيجة لاتفاق أوسلو عام 1993. بعد انتخابات العام 2006 وما تلاها من نزاع في غزة بين حركتي “فتح” و”حماس”، انحصرت سلطتها بالمناطق “أ” و”ب” من الضفة الغربية فقط.

بقيت غزة تحت الاحتلال الاسرائيلي حتى العام 1994، وبعد مفاوضات سرية، وقّع كل من رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقية اعلان مبادئ تقر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومناطق أخرى، وتحويل إدارة الحكومة المحلية للفلسطينيين، وفي أيار 1994، انسحبت القوات الاسرائيلية من المدينة، وتولت ادارتها بموجب إتفاقية أوسلو السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أن كانت تتخذها قوات الجيش الاسرائيلي مقراً لها أثناء احتلال قطاع غزة ما بين 1967 و1994.

في اتفاقية أوسلو سنة 1993 تقرر تصنيف غزة جزءاً من الأجزاء الأولى في المنطقة التي ستخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، على الرغم من احتفاظ إسرائيل بحق السيطرة على مجالها الجوي ومياهها. وفي العام 1994 ومع تسلم السلطة الفلسطينية غزة وأريحا وبقية المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في فترة لاحقة، زاد الشرخ تعمقاً بتنفيذ السلطة حملات اعتقالات واسعة تركزت على قيادات حركة “حماس” وعناصرها وجهازها العسكري بعد كل عملية ضد الاحتلال. وفي أعقاب اتفاقية أوسلو، بدأ الانتقال التدريجي للسلطة الحكومية إلى الفلسطينيين، وخضع جزء كبير من القطاع للسيطرة الفلسطينية، باستثناء الكتل الاستيطانية والمناطق العسكرية. انسحبت القوات الاسرائيلية من مدينة غزة وغيرها ، تاركة للسلطة الجديدة مهمة إدارة تلك المناطق ومراقبتها. واختارت السلطة بقيادة ياسر عرفات مدينة غزة لتكون أول مقر إقليمي لها، وبين العامين 1994 و1996، قامت إسرائيل ببناء الجدار الاسرائيلي في القطاع لتحسين الأمن في إسرائيل، ومع ذلك هدم الجدار إلى حد كبير على يد الفلسطينيين في بداية الانتفاضة الثانية في العام 2000.

في مطلع 2006 نظمت ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، وهي أول انتخابات تشارك فيها “حماس” التي حققت مفاجأة بحصد غالبية المقاعد في المجلس التشريعي، وشكّلت الحركة حكومتها برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم يوم آذار 2006، لكن الحكومة قوبلت بحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، وبمحاولات داخلية لاطاحتها من خلال سحب كثير من صلاحياتها.

استمرت أجواء التوتر بين “فتح” و”حماس” مع دخول العام 2007، حتى بادر الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى دعوة الحركتين إلى التحاور في مكة، على مدار ثلاثة أيام، ووقعتا على ما بات يعرف بـ”اتفاق مكة” في شباط 2007، وكلف الرئيس محمود عباس، إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الحادي عشر “حكومة الوحدة الوطنية”، إلا أن الاتفاق فشل بعد عدة أشهر.

احتدم القتال في منتصف شهر أيار من العام 2007 واستمرت عمليات القتل والخطف المتبادل بين الجانبين إلى أن سيطرت “حماس” على كل المواقع الأمنية في قطاع غزة الذي وقع بذلك تحت السيطرة الكاملة لها، واستولت على المؤسسات الحكومية واستبدلت “فتح” ومسؤولين حكوميين آخرين بمسؤولين تابعين لها، ورد الرئيس الفلسطيني بإعلان حالة الطوارئ وحل حكومة الوحدة وتشكيل حكومة جديدة من دون مشاركة “حماس”.

منذ سيطرتها على غزة، مارست “حماس” السلطة التنفيذية عليها، وهي تحكم المنطقة من خلال هيئاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة. كانت حكومة “حماس” لعام 2012 هي الحكومة الفلسطينية الثانية التي تهيمن عليها الحركة وتحكم قطاع غزة منذ انقسام السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 2007، وتم الاعلان عنها في أوائل أيلول 2012.

يخضع قطاع غزة لحصار خانق فرضته إسرائيل منذ سيطرة حركة “حماس” عليه في صيف 2007 حتى اللحظة وإشتداد وطأته مع “طوفان الأقصى”، ويشتمل على منع أو تقنين دخول المحروقات ومواد البناء والكثير من السلع الأساسية، ومنع الصيد في عمق البحر. وظهرت مشكلات بين “حماس” ومصر لرفض الحكومة المصرية سيطرة الحركة على غزة، وتم إغلاق معبر رفح بصورة جزئية ليفتح يومين في الأسبوع فقط. بعد الهجمات الاسرائيلية على إحدى سفن كسر الحصار التي كانت تقوم بها مؤسسات أوروبية خاصة وقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 9 أتراك أمر الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بفتح المعبر بصورة دائمة.

منذ استلام حركة “حماس” قطاع غزة حتى لحظة عملية “طوفان الأقصى”، مر بسلسلة حروب بين “حماس” وإسرائيل من سنة 2008 تحديداً بالتزامن مع الحصار الخانق على أهل غزة التي لم تعرف طعم الراحة منذ ذلك الوقت مروراً بعدوان العام 2014 وبسلسلة جولات من العنف وإشتداد الحصار الخانق الذي دفع ثمنه الأهالي ولا يزالون كلما اشتدت وتيرة العدوان عليهم، فهل مستقبل غزة الذي بدأ الحديث عنه بعد “حماس” سيشكل ضمانة حقيقية تضمن سلامها وأمنها بمن دون حصار وجراح ضمن دولة مستقلة للفلسطينين؟

شارك المقال