فرنجيّة مرشّح الممانعة “ينقّز” اللبنانيين وسط غبار المعارك!

جورج حايك
جورج حايك

ربط رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية نفسه كلياً بمحور الممانعة كمرشّح لرئاسة الجمهورية، مراهناً على انتصار هذا المحور في المواجهة الكبيرة التي تحصل اليوم في غزة، وكانت مقابلته التلفزيونية أول من أمس عبر شاشة الـLBC بشكلها وتوقيتها معبّرة في هذا السياق، وهذا ما قرأته مصادر في المعارضة اللبنانية.

قبل مقابلة فرنجية التلفزيونية غاب الحديث عن الانتخابات الرئاسية، وانشغلت القوى السياسية اللبنانية، على تناقضاتها، بالحرب الجارية في غزة بين اسرائيل وحركة “حماس” ومن يقف خلفهما في معسكري الغرب و”الممانعة”. وعاش اللبنانيون على ايقاع هذه الحرب، متوجّسين من انخراط “حزب الله” فيها، وهو يشارك جزئياً جنوباً ضمن ما يسمّى “قواعد الاشتباك”، معرّضاً لبنان لخطر الإنزلاق الى هذه الحرب نتيجة أي خطأ قد يحصل، على الرغم من الضغوط الدولية والمحلية التي تحول دون ذلك. ولم يتخلل ترقّب اللبنانيين للحرب، إلا الجدل الدائر حول التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.

جاءت مقابلة فرنجية لينعش فيها الاستحقاق الرئاسي الذي لم يعد في الأولويات بسبب ما يحصل اقليمياً، إلا أن هذه المقابلة التي لم تأتِ في سياق موعد برنامج أسبوعي إنما كمقابلة خاصة، إختار فرنجية توقيتها ومنبرها لإيصال رسالة سياسية واضحة في غمرة الأحداث المصيرية التي يعيشها اللبنانيون.

وتلفت مصادر في المعارضة اللبنانية إلى أن هناك أسباباً رئيسة وثانوية لهذه المقابلة، أهمها أنها تنطلق من قناعة فرنجية بأن داعمه الأساس في المعركة الرئاسية هو “حزب الله”، ويعتبر أنه إذا خسر “الحزب” في هذه الحرب فلن يصل إلى قصر بعبدا، وإذا إنتصر فستقوى حظوظه كثيراً، وبالتالي هو يعرف جيداً أنه مرشّح وضعية اقليميّة، ومرشّح حزب سياسي عسكري يشكّل له منصة يمكن أن توصله إلى قصر بعبدا، فمن أوصل ميشال عون سابقاً كان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بعدما عطّل البلد طوال عامين ونصف العام، ويبدو أن فرنجية يراهن على الأمر نفسه، لذا أراد أن يطل اعلامياً ليبلغ “الحزب” أنه يتناغم مع خياراته على نحو مطلق.

والمفارقة أن أكثرية اللبنانيين تتذمّر من الحالة غير المستقرة التي فرضها “حزب الله” عليها منذ عملية “طوفان الأقصى”، فكل شيئ توقّف في البلد بإنتظار ماذا سيقرّر “الحزب”: الدخول في الحرب أو الامتناع عن ذلك. وهذا ما أضر بالاقتصاد المنهار أصلاً والسياحة التي كانت الأمل الوحيد في الفترة الأخيرة. وتوضح مصادر المعارضة أن “ما فعله فرنجية، للأسف، شجّع الحزب على المضي في خياراته التدميرية، وهذا ما ينقّز اللبنانيين أكثر وأكثر منه كمرشّح رئاسي، بل ذهب إلى الحد الأقصى متغنياً بحكمة نصر الله ومشروع المقاومة مروجاً لأدبياته ومفاهيمه، ويقول للبنانيين بما معناه: إذا وصلت إلى سدة الرئاسة، صحيح أنا لا أتبنى خطاب أحد، إلا أنني في نهاية المطاف سأكون ضنيناً بحماية مشروع المقاومة لأنني جزء من هذا المشروع”.

من المؤكّد أن فرنجية كسّر كل ما حاول “الحزب” تسويقه سابقاً في دعم فرنجية بأنه مرشّح وسطي، فما قاله بالأمس لا يتطابق مع مبادئ الوسطيّة بتاتاً، وتعتبر المصادر أنه أراد أن يوصل رسالة الى نصر الله في ذروة المعركة، أن لا تردد عنده في الخيارات كالآخرين، وكأنه يغمز من صحن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي كان متردداً في المجاهرة بدعم “الحزب” في البداية، أما فرنجية فأعلن بصريح العبارة أنه كان دائماً مع خيار المقاومة وأولوية القضية الفلسطينية وما إلى ذلك من أدبيات الخط الذي ينتمي إليه.

هذه هي حقيقة فرنجية، لم يكن يوماً وسطياً ولن يكون، والصراحة التي يتكلّم بها، قد تكون فضيلة في شخصيته، إلا أنها لعنة بالمعايير الوطنية، وأولوية القضية اللبنانية، وهذا ما يثير خوف اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، بعدما ذاقوا الأمرين من هيمنة “حزب الله” ومرجعيته الايرانية، ها هو فرنجية يؤكّد لهم أنه مرشّح هذا الخيار ولن يكون غير ذلك.

وترى مصادر المعارضة أن “فرنجية ربط مصيره الرئاسي كلياً بما يحصل اقليمياً، وهو لم يخف ذلك، فإذا خسرت حماس والحزب سيخسر معهما الرئاسة، وإذا ربحا فسيكون رئيس الجمهورية المقبل. وأهمية توقيت إعلان فرنجية ذلك، إختاره وسط المعركة، موجّهاً الى نصر الله رسالة، أنه في هذه اللحظة بالذات، أنا أقف إلى جانبك وأدعم مقاومتك، على خلفيّة أن نصر الله سيثمّن موقف فرنجية الفروسيّ في هذه اللحظة المصيرية أكثر من قول ذلك بعد انتهاء الحرب، وبالتالي لن يتخلى عنه بتاتاً”.

هكذا قطع فرنجية الطريق أمام طموحات الآخرين الرئاسية في جبهة الممانعة، لا جبران باسيل ولا أي إسم آخر يمكنه منافسته بعد هذه المواقف الصريحة الداعمة لـ”حزب الله” في ذروة المعركة. وتشير المصادر إلى أن من الطبيعي أن يعتبر “الحزب” بعد كل هذا الكلام أن فرنجية هو الرمز الماروني الذي يمثّل خطه المقاوم، وحتماً كرّس حظوظه الرئاسية وسط غبار المعركة القائمة، ورهانه الأساس اليوم أن لا تصل الحرب إلى لبنان ويبقى “الحزب” في قوّته وهيمنته ويكون نصر الله المعني الأول بالاستحقاق، عندها يكون فرنجية قد إجتاز المسافة الأكبر في الطريق إلى الرئاسة، نتيجة الوعد الصادق من نصر الله ورداً لـ”الجميل” على المستوى الرئاسي.

لكن لا الشعب اللبناني ولا المعارضة اللبنانية معنيان برسائل فرنجية، ومهما كانت نتيجة المعارك في غزة، ومهما كانت اعتبارات “الحزب” لانجازاته، بات من المؤكّد أن لا أحد يمكنه أن يتخطّى التوازنات السياسية اللبنانية، ولا يمكن إكراه أحد على إنتخاب رئيس منحاز إلى محور مكروه من أكثرية اللبنانيين، بل يتساءل اللبنانيون هل قدرهم أن يعيشوا في بلد تقرِّر فئة داخله مصيره وحاضره ومستقبله؟ أكثرية الشعب اللبناني غير مستعدة للقبول برئيس جمهورية يبقي لبنان ساحة مستباحة لمشاريع إقليمية وأيديولوجية بعيدة عن مصلحة لبنان واللبنانيين.

ولو سأل فرنجية بعض اللبنانيين هنا وهناك عن تطلعاتهم، لوجد أن أدنى أمنياتهم هو انتخاب رئيس لا يشبهه أيّ رئيس يكفل للبنانيين العيش في سلام واستقرار وأمن وازدهار وفي كنف دولة ودستور وقضاء وقانون، فلا تتقدّم أي قضية في العالم، على الرغم من أهميتها، على القضية اللبنانية!

شارك المقال