“ميت يمشي على الأرض”… السنوار العقل المدبّر لـ”طوفان الأقصى”

منى مروان العمري

من معركة “الفرقان” في 2008، إلى معركة “حجارة السجيل” في 2012، مروراً بـ “العصف المأكول” في 2014 ثم “سيف القدس” في 2021 و”وحدة الساحات” عام 2022، وصولاً الى “طوفان الأقصى”، كلها معارك دامية مع الاحتلال الاسرائيلي، وتبقى العملية الأخيرة حدثاً فريداً في تاريخ المقاومة ضد الاحتلال، ولها خصوصيتها سواء من حيث طريقة عمل رجال المقاومة، أو من حيث السياق التاريخي السياسي الذي حصلت فيه، وبالطبع من حيث الآثار التي تترتب عليها.

وتتهم اسرائيل زعيم حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار إلى جانب قائد هيئة أركان “كتائب القسام” محمد الضيف، بالوقوف خلف هجوم السابع من تشرين الأول على بلدات في غلاف غزة، بحيث تعتقد أنهما لا يزالان مختبئين في شبكة الأنفاق التي حفرتها الحركة على طول القطاع وعرضه.

مختبئ في متاهة الأنفاق؟

وفقاً لصحيفة  “وول ستريت جورنال” فإن “الجيش الاسرائيلي يطارد السنوار بينما يستهدف مسؤولين كباراً في حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة”، مشيرة الى أن “هناك مسؤولين إسرائيليين يعتقدون أن من المحتمل أن يكون السنوار مختبئاً في متاهة الأنفاق التي يستخدمها نشطاء حماس في غزة”.

وفي وقتٍ سابق، وصف المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، السنوار بأنه “ميّت يمشي على الأرض”، بالاشارة إلى أن إسرائيل مصرّة على قتله. ويعتقد الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية مايكل ميلشتاين أن “الضيف هو من نفذ خطة الهجوم، ولكن العقل الحقيقي، والعقل المدبر له كان في الأساس يحيى السنوار”، ويضيف أنه “يفهم حقاً كيف سيتصرف الاسرائيليون، وكيف يفكرون، وكيف سيردون”.

وبصفته زعيماً لـ”حماس” في غزة، يعد السنوار جزءاً من هيكل قيادة الحركة المعقّد والسرّي الذي يضم جناحها العسكري وذراعها السياسية، كما يعتبره مسؤولو الأمن الاسرائيليون أحد الأعضاء الأكثر تشدداً في “حماس” وحلقة وصل بين القيادة السياسية والجناح العسكري المتمثل بـ”كتائب عز الدين القسام”، بقيادة الضيف.

مَن هو السنوار؟

يحيى إبراهيم حسن السنوار، أو يحيى السنوار، القائد البارز في حركة “حماس”، ينحدر من مدينة المجدل عسقلان التاريخية التي تقع شمال شرقي قطاع غزة التي سقطت في يد الاحتلال الاسرائيلي في العام 1948 وغيَّر اسمها إلى “أشكلون”. وُلد في مخيم خان يونس للاجئين في العام 1962، ونشأ في ظروف صعبة وعانى الفقر والقسوة، وتأثرت طفولته بالاعتداءات التي تعرّض لها أهالي المخيمات من الاحتلال.

تعدّه إسرائيل “وزير دفاع حماس” لأنه حلقة الوصل بين جناحي الحركة السياسي والعسكري، وتصفه بـ”العنيد ورئيس جناح الصقور في حماس”. ويشغل حالياً منصب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، والمعروف أنه العقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى” التي كبَّدت الاحتلال الاسرائيلي خسائر بشرية وعسكرية هائلة، وهزَّت الصورة النمطية لقدرة أجهزته الاستخباراتية والأمنية.

بدأت النشاطات السياسية للسنوار كونه واحداً من رواد القيادة الفلسطينية في مختلف أشكال المقاومة ضد الاحتلال منذ بداية الثمانينيات. كان يؤمن بأن هزيمة الاحتلال تتطلب القضاء على جميع أدواته، وعلى رأس هذه الأدوات خنجر العملاء المسموم الذي يتسلل إلى النسيج الفلسطيني. لذلك، اقترح في ذلك الوقت على زعيم “حماس” الشيخ أحمد ياسين بعض الأفكار التي تعزز الجانب الأمني للمقاومة، ومن أبرزها تأسيس جهاز الأمن والدعوة الذي يُعرف بـ”مجد”. وقاد السنوار فريقاً من الكوادر الأمنية وتتبَّع عدداً من العملاء الذين عملوا لصالح الاحتلال الاسرائيلي.

مع مرور الوقت، أصبح “مجد” النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لـ”حماس”، وبالاضافة إلى إجراء التحقيقات مع عملاء إسرائيل، أصبح دور “مجد” يتضمن تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الاسرائيلية بصورة مماثلة.

اعتقال وتحرير

تعرّض السنوار للاعتقالات المتكررة خلال نشاطه الداخلي. ففي العام 1982، اعتُقل لأول مرة وأُفرج عنه بعد عدة أيام، ثم اعتُقل مرة أخرى في العام نفسه وحكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر بسبب نشاطه المقاوم.

في العام 1985، اعتُقل مرة أخرى لمدة ثمانية أشهر بتهمة تأسيس جهاز الأمن الخاص بحركة “حماس” المعروف بـ”مجد”، الذي كان يقاوم الاحتلال في قطاع غزة ويكافح المتعاونين معه من العملاء المحليين.

وفي العام 1988، اعتُقل للمرة الثالثة وحُكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات، بتهمة تأسيس جهاز “مجد” الأمني والمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري الأول لحركة “حماس”.

قضى السنوار 23 عاماً متواصلة في سجون الاحتلال، منها أربع سنوات في العزل الانفرادي، وخلال فترة اعتقاله، تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى “حماس” في السجون وشارك في سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات الأعوام 1992 و1996 و2000 و2004.

أُطلق سراحه عام 2011 ضمن صفقة “وفاء الأحرار”، التي تضمنت الافراج عن الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيراً فلسطينياً. وكان شاليط احتُجز في 25 حزيران 2006 على يد مقاتلين من “كتائب عز الدين القسام” و”ألوية الناصر صلاح الدين” التابعة للجان المقاومة الشعبية، و”جيش الاسلام”، في عملية عسكرية متقدمة تُعرف باسم “الوهم المتبدد”، من أكثر العمليات التي نفَّذتها الفصائل الفلسطينية تعقيداً منذ بدء انتفاضة الأقصى الثانية.

صفقة “وفاء الأحرار” جرت بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأَسْر في مكان سرِّي في قطاع غزة، حيث فشلت إسرائيل بكل قدراتها الاستخبارية وعملائها في الوصول إليه، كما فشلت العملية العسكرية التي شنتها في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 في إنقاذه من الأسر.

ليس سرّاً أن اسرائيل تعُدّ السنوار عدواً خطيراً، وترى فيه حكومتها نسخة “مُتطرِّفة” بالمقارنة مع قيادات أخرى. ونشر معهد السياسات والاستراتيجية الاسرائيلية التابع لمركز “هرتسيليا” تقريراً حول شخصية السنوار اعتبر فيه أنه يُغيِّر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وأنه لا يمكن قراءة سلوكه في إطار انعدام العقلانية أو الابتعاد عن الواقع، فهو يعمل ضمن خيارات واعية ويقيِّم تحركاته على أساس التجربة ونتائجها الخاطئة والصحيحة.

ولا تزال إسرائيل تتخبط في الرد على تحركات المقاومة الأخيرة، وتواصل قصف المدنيين في قطاع غزة، وتهدد باستهداف قادة “حماس” وفي مقدمهم السنوار نفسه، وهو تهديد اعتاده على كل حال.

شارك المقال