الغزاويون لن يكرروا نكبة 1948… والعودة الى الديار حتميّة

آية المصري
آية المصري

75 عاماً الى الوراء… هذا ما رأيناه في الأيام الماضية، عندما حملت غالبية أهالي غزة أغراضها، ونزحت من مناطق الشمال هاربة من ظلم هذا العدو الغاشم وانعدام إنسانيته.

أطفال، نساء وشيوخ يداً بيد يسندون بعضهم البعض في مشهدية أعادت الذاكرة الى العام 1948 عندما طرد الفلسطينيون من أرضهم وبيوتهم على يد القوات الاسرائيلية، وكأن النكبة نفسها تتكرر اليوم عام 2023، لكن هذه المرة النزوح كان الى المناطق الجنوبية التي صنفها الجيش الاسرائيلي حسب زعمه أنها مناطق آمنة، وهي ليست كذلك.

خطة التهجير أو ما عرفت بـ”الترانسفير” كانت ولا تزال أحد الأهداف الأساسية لاسرائيل التي سعت اليها بشتى الطرق منذ العام 1948 عندما اعتبرت أن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكلون تهديداً لطابع الدولة اليهودية.

وبقيت مشاريع تهجير الفلسطينيين قائمة ومستمرة، ففي العام 1968 قدمت وزارة الخارجية الاسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى في العالم العربي. ومع ذلك، لم يحقق هذا المشروع نجاحاً يُذكر بسبب رفض الفلسطينيين في القطاع الانتقال إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الاحتلال الاسرائيلي.

وفي العام نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأميركي خطةً لتهجيرٍ طوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، وكذلك لاقت هذه الخطة فشلاً كبيراً.

وفي العام 1970، حاول أرييل شارون، الذي كان قائداً في الجيش الاسرائيلي وأصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه. ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقى بهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعائلات أخرى وُجِّهت نحو العريش على حدود غزة. وتضمنت آنذاك الخطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك، والنتيجة كانت نفسها، الفشل، بالاضافة الى العديد من الخطط، فهل تتكرر اليوم نكبة 1948؟

في هذا السياق، أوضح الباحث والكاتب في “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” أيهم ساحلي “أننا عرفنا النكبة عام 1948 من خلال الكثير من العوامل منها الصور وحديث الأجداد الذي تم توثيقه ضمن الذاكرة الشفوية للشعب الفلسطيني، ومن خلال التوثيق الأكاديمي. وما حصل في قطاع غزة من تهجير عن شمالها، لا تصح تسميته بالنكبة، وهو ليس كذلك فعلاً، اللهم إلا من الناحية الرمزية، وتكرار ما حدث سابقاً قبل 75 عاماً، على الأقل من ناحية الشكل”.

أما بالنسبة الى التهجير الذي حصل الى المناطق الجنوبية ومدى مقارنته بالعام 1948، فقال ساحلي في حديث لـ”لبنان الكبير”: “لا أجد المقارنة صائبة تماماً، لأن الشعب الفلسطيني قبل 75 عاماً لم يكن بالقوة التي لديه اليوم. ومع أن التشابه قائم من ناحية حجم القوة وفارقها لدى الفلسطينيين ولدى الاحتلال، إلا أن الوعي الجمعي لدى الفلسطينيين اليوم أعلى بكثير مما كان عليه في العام 1948، فهو اليوم يدرك معنى التهجير تماماً، ولا سيما أن نحو 6 ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات، ولو حدث اليوم مثلما حدث في النكبة، أن تأتي حكومة أو حتى جهة موثوقة لتقول للفلسطينيين أن يخرجوا من قطاع غزة، فالرد سيكون بالرفض الكامل، وهذا استفادة من تجربة الأجداد والشعب الحاضرة اليوم”.

وأكد أن “الشعب الفلسطيني اليوم، يثق بنفسه وبإمكاناته وبقدرته على البقاء في أرضه، وعدم السماح لأحد بأن يهجره مهما بلغ الثمن، وهذا ينسجم ويتطابق مع حركة كاملة للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده للعودة إلى الديار التي هجر منها”.

ولفت ساحلي الى أن “النكبة بالمفهوم التاريخي والوجودي للشعب الفلسطيني حاضرة في وعيه اليوم، وبوعيه الكامل لها يقوم بعملية الرفض الكامل والمواجهة والمقاومة للنكبة المستمرة التي يعمل الاحتلال والغرب على إحلالها، وإنهاء ما بدأه عام 1948. ويقوم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بهذه المقاومة والمواجهة للنكبة المستمرة، برفض الخروج من الأرض والتسليم للمحتل، وبمحاولات العودة المستمرة إلى البلاد، ومن تلك المحاولات تربية الأجيال باستمرار على الانتماء إلى فلسطين، فينتمون إلى مكان وحياة وتاريخ وجغرافيا لم يروها لكنهم يؤمنون بها كل الإيمان، لذا فهي العودة المستمرة إلى البلاد، إلى فلسطين”.

أما الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر فرأى عبر “لبنان الكبير” أن “هجرة الغزاويين الى المناطق الجنوبية بصرياً مشهديتها تعيدنا الى العام 1948، لكن في المضمون وتاريخياً مختلفة الى حد ما، فما يحصل اليوم في غزة من هجرة السكان الى مناطق يعدونها آمنة هي نتيجة للحرب على غزة. اما في العام 1948 فكان تهجير الفلسطينيين أمراً حتمياً من وجهة نظر الحركة الصهيونية آنذاك ديفيد بن غوريون مؤسس الدولة الاسرائيلية والهاجاناه القوات المسلحة التي تحولت بسرعة الى الجيش الاسرائيلي”.

أضاف: “آنذاك، نعلم جميعاً أن قرار التقسيم صدر عن الأمم المتحدة عام 1947 وكان هناك عدد كبير من السكان الفلسطينيين في الدولة اليهودية، وقرر اقامة دولتين عربية ويهودية، وفي هذه الأخيرة كان هناك عدد كبير من السكان الفلسطينيين، والأمر نفسه في الدول العربية كان هناك عدد من السكان اليهود لكن بن غوريون حينها والحركة الصهيونية اتخذا قراراً بطرد العرب وفق ما يسمى بالتطهير العرقي لأنهم اعتبروا أن من المستحيل قيام دولة يهودية في المستقبل اذا كان فيها عدد كبير من السكان الفلسطينيين، وبالتالي كان قرار طرد السكان قراراً استراتيجياً بالنسبة الى الحركة الصهيونية وما سميّ حينها بخطة دالت أو د التي تضمنت خططاً عسكرية لطرد الفلسطينيين كلهم الا المكان الأقرب ومن كان في شمال فلسطين أتى الى لبنان وسوريا، ومن كان في الوسط ذهب نحو الأردن، ومن كان في الجنوب هجر الى غزة وبالتالي طرد الفلسطينيون من بلدهم أو الترانسفير الذي حصل عام 1947، والعام 1948 كان له معنى استراتيجي كبير للدولة اليهودية المقترحة آنذاك، وفي الطريق أخذوا مساحة اضافية مما أعطتهم اياه الأمم المتحدة”.

واعتبر أبو فخر أن “الترانسفير الذي نراه اليوم هو نتيجة للعدوان على غزة، ولا أعتقد أن هناك خطة للتهجير لكن هذا لا يمنع أن هناك تفكيراً عند الاسرائيليين في التهجير، ووجود المقاومة واللاجئين الذين يطالبون بالعودة الى ديارهم الأصلية من وجهة نظر الأمن الاسرائيلي خطر على الحدود لذلك يفكرون في نقل غزة الى سيناء، وهذا ايضاً ما فكروا فيه في الخمسينيات وفشل، واليوم يفكرون في تغيير المكان الفلسطيني وتدميره بحيث يصبح المكان من الصعب العيش فيه في المستقبل وهذه تكون مقدمة للتهجير المتدرج، أي الهجرة الى أوروبا، أميركا اللاتينية، كندا، أستراليا، واغراءات الهجرة”.

وشدد على أن “هذا ما ناقشوه، ورسموا خطة ولم تنجح لسبب بسيط أن ليس كل ما يناقشه الاسرائيلي يصح، وظهور حركة فتح وخصوصاً عام 1968 معركة الكرامة في الأردن أحيت الأمل بعودة اللاجئين لأنها كانت من المعارك المنتصرة، وكان الفدائيون في أول صعودهم ولم يكونوا قوة كبيرة آنذاك، وبات هناك نوع من الأمل والمعنويات العالية، بحيث انتقل الفلطسينيون من هوية المنفى الى هوية التحرير، وبات هناك أمل بتحرير جزء من فلسطين ليعودوا الى بلادهم”.

وأكد أبو فخر أن “هذه المشاريع عديدة وليست محصورة بغزة فقط، خصوصاً وأنه كانت هناك مشاريع في العراق والقامشلي وسوريا وعملوا عليها، وكل مشاريع التوطين فشلت على الاطلاق. وما يريده الغزاويون هو العودة الى درياهم ولو على ركام منازلهم لاعادة بنائها من جديد أو لنصب خيمة، وهذا ما أعلنوه أنهم لن يكرروا تجربة 1948 أي النزوح الذي لا عودة بعده”.

شارك المقال