هل “يتمدد” الطوفان إلى لبنان بفعل فشل نتنياهو؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

شهر على عملية “طوفان الأقصى” التي قلبت المنطقة العربية رأساً على عقب، المنطقة التي كانت قد بدأت عامها بطوفان الكوارث الطبيعية بدءاً بزلزال تركيا وسوريا في شباط الماضي، مروراً بطوفان ليبيا الذي أزال نصف مدينة درنة من الوجود، وصولاً الى زلزال مراكش في المغرب، هذه الكوارث التي خلَّفت عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف المشردين، ومع ذلك كان لعملية “طوفان الأقصى” ولا يزال الصدى الأكبر والأخطر على المنطقة بما تحمله في طياتها من نذر تغيير خرائط سياسية وربما جغرافية في منطقة الشرق الأوسط، ومع ما تحمله هذه التطورات من خطر على السلم والأمن الدوليين.

منذ بداية العملية في 7 تشرين الأول الماضي، بدا واضحاً حرص أميركا وإيران – طرفا الصراع في المنطقة شئنا أم أبينا – على عدم تمدد مفاعليها إلى خارج غزة، وذلك عقب تكشُّف نتيجتها الميدانية عن “نجاح” غير مسبوق ومفاجئ – حتى ربما للقائمين بها برأيي – على المستوى العسكري والاستخباراتي لجناح “حماس” العسكري “كتائب عز الدين القسَّام”، يقابله بطبيعة الحال فشل كبير للمؤسسة العسكرية والأمنية والاستخبارية للعدو، وخسارة بشرية لا سابق لها لاسرائيل من قتلى وجرحى وأسرى سوى في حرب تشرين عام 1973، التي جاءت العملية الجديدة في ذكراها الـ 50 بالتمام والكمال لتثبت للعدو والعالم أن القضية لن تموت على الرغم من كل محاولات وأدها ودفنها في مشاريع تطبيعية مختلفة بإسم السلام، ما لم يعد للشعب الفلسطيني ولو جزء من حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس عبر حل الدولتين وهو بمثابة “أضعف الإيمان” الذي ترفض إسرائيل وداعموها الاعتراف به، رفض يصل حد “الكفر السياسي” بكل ما هو منطقي وواقعي وإنساني.

حرص أميركا وإيران المشترك على عدم التصعيد تبدى في التلاقي على نفي علاقة إيران بالعملية منذ اللحظات الأولى الذي كان بمثابة الجزرة من طرف أميركا من جهة، وبحشد الأساطيل في المتوسط وفتح مخازن السلاح لاسرائيل بدعوى الردع الذي كان بمثابة العصا من جهة أخرى، فكان أن إنحصرت الردود بدايةً بالجبهة اللبنانية التي إلتزمت بقواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام 2006، قبل أن تدخل على الخط مع تطور الأحداث “صواريخ” الحوثي والمقاومة الاسلامية العراقية ومسيَّراتهم في إستعراضات جوية لمحاولة القول بتحقق “وحدة الساحات” أكثر منها محاولات جدية للمساندة والدعم، لتبقى الساحة اللبنانية وحدها في الواقع تختصر كل ساحات محور الممانعة بحيث سقط العشرات من شباب “حزب الله” والمدنيين نتيجة هذه المواجهات التي باتت تنذر بتمدد الحرب جدياً إلى لبنان، وهو إحتمال بات وارداً بشدة ولو أن التطورات على الجبهة وخطابات الأمين العام لـ “حزب الله” معطوفة على زيارة آموس هوكشتاين إلى بيروت توحي بأن الأمور لن تتدحرج بإتجاه الحرب وإن كانت تبدو على حافتها، إلا أن أحداً لا يمكن ضمان تصرفات بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب التي يقودها خصوصاً في ظل الصعوبات التي يواجهها جيشه في حربه البرية على غزة، مع ما يبدو من بداية نهاية فترة السماح التي أعطيت له أميركياً وغربياً – وربما عربياً – لتحقيق هدفه المعلن بالقضاء على “حماس” عسكرياً، وهو الأمر الذي دونه عقبات حتى الآن على الأقل، وما يبدو من تحوُّل في مزاج الرأي العام الغربي ضد الحرب التي تشنها إسرائيل ووحشيتها – على عدم فعاليته الآنية – وهو ما يجعله كالثور الهائج الذي يصب جام غضبه وحقده على المدنيين العزل. هذا الوغد لا يمكن لأحد التنبؤ بتصرفاته، كأن يمارس عملية الهروب إلى الأمام نتيجة فشله العسكري ويقوم بفتح جبهة لبنان واضعاً أميركا والعالم أمام الأمر الواقع على قاعدة عليَّ وعلى أعدائي، وهو العالِم بأن مستقبله السياسي بات وراءه.

من هنا، وجَب الحرص والتعقل من الجانب اللبناني وذلك بعدم مساعدة نتنياهو لسلوك هذا المسلك، ونقولها بكل صراحة ولو أن هذا الرأي قد يبدو غير شعبوي، بأن الوقت قد حان بعد كل الذي حدث ويحدث في غزة من قتل ودمار وتهجير ممنهج، وكذلك بعد بيان القمة العربية – الاسلامية في الرياض الذي أتى “بلا أسنان” بحيث تبنى الدعوة إلى وقف إطلاق النار من دون أي عمل جدي وضاغط لتحقيق هذا الهدف، نقول بعد كل هذه التطورات بات من الواجب الوطني أن تتوقف العمليات من جنوب لبنان مع البقاء على أهبة الاستعداد لأي طارئ، لأنها باتت تشكل خطراً على لبنان من دون أن تشكل أي إضافة نوعية حقيقية للمقاومين في غزة. نقول هذا بكل أسف لأن لبنان بظروفه الحالية المعروفة للقاصي والداني لا يحتمل أي حرب شاملة، وغير مؤهل لتحمل أي كلفة في المجالات كافة، وليس من الحكمة في شيئ أن لا يبقى في الميدان إلا لبنان في ظل الظروف العربية الراهنة، خصوصاً وأن له تجربة قاسية في هذا المجال على مدى نصف قرن، و”من جرَّب المجرب بيكون عقلو مخرَّب”، ولا يحمِّل الله نفساً إلا وسعها.

وتماشياً مع الدعوة إلى “الدعاء” نقول كان الله في عون غزة وفلسطين وأهلها وكذلك لبنان وشعبه وشعوب هذه المنطقة المنكوبة بالبعض من مسؤوليها وأعدائها على حد سواء، وبذلك ننتقل من “وحدة الساحات” إلى “وحدة الدعاء”، فالشكوى لغير الله في هذه الظروف الصعبة والقاهرة مذلة، وقانا الله شرها.

شارك المقال