تمديد الضرورة!

صلاح تقي الدين

لم يعد مقبولاً أن يستمر الانهيار الذي تسبب به فريق العهد “القوي” وعلى رأسه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي طاول كل المؤسسات، ويهدّد الاستقرار الذي يعيشه الجيش اللبناني، بسبب الأحلام المستحيلة التي تراود باسيل، فيقف حائلاً أمام التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وتعيين رئيس للأركان يحلّ بموجب القانون مكان القائد على رأس المؤسسة العسكرية في حال غيابه.

لقد أصبح معروفاً أن باسيل يعارض العماد عون لأسباب عديدة أهمها تقدّم اسمه من بين الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الجمهورية، غير أن باسيل لا ينفك يسعى إلى “حرقه” ولو كان ذلك على حساب استقرار المؤسسة الأخيرة من بين المؤسسات التي لم تقترب بعد من الانهيار على الرغم من الظروف الصعبة التي نجح العماد عون في تجاوزها لغاية اليوم.

وبعد الكلام عالي السقف الذي أطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي ومن ثم البيان الذي صدر عقب اجتماع المطارنة والبطاركة الكاثوليك، لم يعد في “ميدان” التعطيل إلا “حديدان” التيار “الوطني الحر”، فزعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي كان من بين الذين “يوافقون” على عدم التمديد لعون ربما بسبب “المصلحة” المشتركة مع باسيل في إزاحة قائد الجيش عن لائحة الأسماء الرئاسية، عاد واقتنع على ما يبدو بضرورة السير في المحافظة على استقرار مؤسسة الجيش والذي لن يكون إليه سبيلاً إلا بالتمديد لعون، وبذلك أصبحت غالبية “المسيحيين” مع عدم المس باستقرار المؤسسة العسكرية وتوافق على التمديد.

وكان لافتاً في اليومين الماضيين مسارعة رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل إلى التصريح علناً عن ضرورة التمديد لعون لفترة سنة، وانضم بذلك إلى حزب “القوات اللبنانية” الذي سبق وتقدم باقتراح قانون لتأجيل تسريح الضباط من رتبة عماد ولواء وبالتالي تأمنت الغالبية المسيحية لهذا المشروع.

وكان العائق الوحيد أمام تمرير هذا الاقتراح هو موقف الثنائي الشيعي والذي يتضح وفقاً لمعلومات مصادر مؤكدة، أن “حزب الله” لن يعارض الغالبية التي تسعى الى التمديد لقائد الجيش على الرغم من أنه يريد المحافظة على “شعرة معاوية” مع شريكه المسيحي الوحيد المتمثل بالنائب باسيل، لكن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري جعل من “دفة” التمديد تميل لصالح عون مع أنه رمى الكرة في ملعب الحكومة ورفض أن يكون “تشريع” الضرورة وقفاً على رغبة هذا الفريق أو ذاك، وحسب القطعة، فإما المجلس النيابي قادر على التشريع في جميع الظروف أو لا يكون.

غير أن المصادر نفسها أوضحت لموقع “لبنان الكبير” أن ما يتم التداول به أيضاً هو تعيين رئيس للأركان والذي يعود إلى طائفة الموحدين الدروز، وهو الموقع الذي كان دائماً بإرادة الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وموافقته ومن حصته، وهذا الأمر بالتالي سوف يؤجل على الأقل احتمال حدوث فراغ في قيادة الجيش إذا اقتصرت مدة التمديد لقائد الجيش على فترة ستة أشهر وتعيين رئيس للأركان بالأصالة ليحل مكان قائد الجيش وفقاً للقانون.

وفيما تنعقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم، من المتوقع أن يحضرها وزير الدفاع موريس سليم الذي إما سيكون لاثبات موقف فريقه “العوني” برفض التمديد كما رفض تعيين رئيس للأركان، أو لكي يمر مشروع التمديد والتعيين بحضوره، انطلاقاً من واقع أنه هو من يقترح اسماً لتعيينه في موقع رئاسة الأركان بناء على اقتراح قائد الجيش، وتوقيعه على اقتراح التمديد لقائد الجيش أو تأجيل تسريحه يكون أيضاً باقتراح منه، وبالتالي يكون قد ساهم في استقرار المؤسسة العسكرية على الرغم من “الموقف المبدئي” بعدم جواز أي تعيين في مواقع الفئة الأولى بغياب رئيس الجمهوية، وتحديداً تعيين قائد للجيش الذي جرت العادة أن يكون بناء على اقتراح رئيس الجمهورية وموافقته.

ولغاية كتابة هذه الأسطر، كانت كل الاحتمالات مفتوحة على الرغم من أن التمديد لقائد الجيش يقع في خانة “الضرورة” لكن مدة التمديد تجعل من المسألة “قميص عثمان”، بمعنى أنه إذا تطورت الأمور الاقليمية نحو الأسوأ واضطر لبنان إلى الدخول في حرب واسعة فقد لا يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية خلال هذه الفترة وبالتالي نعود إلى العقدة نفسها بعد ستة أشهر، غير أن تعيين رئيس للأركان قد يحل هذه المعضلة.

ومن المعروف أن الاسم الذي لا يمانع النائب السابق جنبلاط في تعيينه رئيساً للأركان هو العميد حسان عودة كونه الأعلى رتبة بين العمداء الدروز، ويحظى برضى وقبول قائد الجيش الذي يريد أن يكون رئيس الأركان على القدر الكافي من التناغم والتوافق معه وهو ما يراه في العميد عودة.

الاحتمالات المفتوحة على مصراعيها إقليمياً، توجب على الجميع التحلي بروح المسؤولية والمبادرة إلى تفادي الشغور على رأس هرم مؤسسة الجيش، ولعل الاشارات التي تروّج لحضور وزير الدفاع جلسة الحكومة اليوم، قد تكون مؤشراً على تراجع النائب باسيل عن “العناد” و”العنجهية” اللذين لطالما ميزا عمله السياسي، وهو الأمر المطلوب في هذه المرحلة الأدق من تاريخ لبنان والمنطقة.

شارك المقال