اسرائيل تهدد بيروت… ما الذي يمنعها من تحويلها غزة ثانية؟

جورج حايك
جورج حايك

كان التهديد الاسرائيلي أمس للبنان صادماً، وقد أثار مخاوف الكثيرين، إلا أنه ليس جديداً، إذ دأب المسؤولون الاسرائيليون كلّما حصل اشتباك بين الجيش الاسرائيلي و”حزب الله” على تهديد لبنان بإعادته إلى العصر الحجري، لكن الجديد هذه المرة كان بحملة اعلامية بدأها وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت محذراً من أن “من السهل تحويل بيروت إلى غزة ثانية”، مؤكداً “أن الطائرات مستعدة للتوجّه إلى الشمال”، وتوالت التهديدات من صحافيين اسرائيليين نشروا صورة بيروت وأرفقوها بعبارة “انتظرونا”.

ومن يراقب الحدود اللبنانية – الاسرائيلية في اليومين الفائتين لا بد من أن يفهم سبب تهديدات غالانت، فمنسوب التوتر ازداد كثيراً والخسائر تبدو فادحة من الطرفين أي اسرائيل و”حزب الله”، ولا شك في أن المسؤولين من الجهتين رؤوسهم حامية، والاحتكام إلى لعبة السلاح والحديد والنار قد يؤدي إلى تجاوز احداهما الخطوط الحمر والانزلاق إلى حرب لا تُحمد عقباها.

لكن لدى كثير من المراقبين شعور بأن الخطوط الحمر لا تزال مضبوطة، وخصوصاً أن مرجعيتي الطرفين أي الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا تريدان حرباً واسعة. ويكشف ناشط سياسي أميركي لبناني الأصل، أن لبنان يحظى بإهتمام كبير من الادارة الأميركية في هذه المرحلة، لأنها تريد أن تتجنّب الدخول في مواجهة مع إيران في موازاة دعمها لأوكرانيا في الحرب مع روسيا، وبالتالي يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن الضغط بكل ما لديه من قوة لنزع فتيل الانفجار في الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، لأن الحرب إذا اندلعت هناك وتبادل الطرفان القصف إلى العمقين اللبناني والاسرائيلي، فقد تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى الانخراط في الحرب دعماً لاسرائيل. وهذا ما يبرّر المحادثة الهاتفية السريعة بين وزيري الدفاع الأميركي لويد أوستن والاسرائيلي غالانت، بحيث طلب الأول من الثاني ضرروة تجنب الخطوات التي قد تؤدي إلى حرب شاملة مع “الحزب”.

ولفت الناشط السياسي إلى أن الغضب الاسرائيلي كان كبيراً أمس نتيجة الضربة العسكرية التي تلقوها وأدت إلى مقتل 10 جنود اسرائيليين. لذلك تتخوف الإدارة الأميركية من الاستفزازات التي يقوم بها “الحزب”، وقد يستغلها بعض المسؤولين “الصقور” في الحكومة الاسرائيلية لتوسيع نطاق الحرب وتوريط الولايات المتحدة فيها. وأشار الناشط إلى أن هناك مصلحة اسرائيلية تقضي بإقحام الولايات المتحدة في الحرب لإنهاء حالة “حزب الله” على حدودها الشمالية، وربما توجيه ضربة الى إيران الداعمة الأساسية للفصائل الفلسطينية بالمال والسلاح.

ولم تقتصر المخاوف الأميركية على تهوّر اسرائيل إنما يقلقها تزايد عمليات “حزب الله” أيضاً، لذلك تمارس ضغوطها على مسؤولي الدولة اللبنانية مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لبذل كل ما في وسعهما لمنع “الحزب” من الانضمام إلى الحرب بكامل قوته العسكرية. وهذه كانت مهمة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في لبنان.

وأوضح الناشط السياسي اللبناني الأصل أن “حزب الله” يلعب على حافة الهاوية، ويجازف بلبنان من أجل إبقاء إيران في قلب أي تسوية فلسطينية – اسرائيلية، لأنها تريد أن تكون جزءاً من القرار الفلسطيني، وهذه المكاسب لا تتحقق إلا في ابقاء الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية مشتعلة ولو على نحو محدود.

وراى أن لا ثقة باسرائيل ولا بـ”حزب الله”، ففاتورة الدم من العمليات العسكرية المتبادلة قد توسّع الحرب، وتصبح التهديدات الاسرائيلية بقصف بيروت وتحويلها إلى غزة ثانية لا مجرد تخويف للضغط على “الحزب” إنما واقع كارثي. وأضاف: “ليس أكيداً أن الحماوة على الجبهة اللبنانية يفتعلها حزب الله، ولكن ثمة إشارات تجعله في دائرة الاتهام، أهمها توقيت التصعيد الذي تلى القمة العربية، وكما يبدو أن إيران غير راضية عن مقرراتها بحيث إحتفظت السعودية بمفاتيح إدارة اللعبة، فيما شعرت الأولى أنها مهمّشة، وليس مستبعداً أن تكون أعطت الضوء الأخضر للحزب بزيادة التوتر من دون فتح الجبهة على مصراعيها”.

ولا شك في أن كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الأخير الذي ربط تطوّر الحرب بالميدان خطير جداً، وهذا ما أكده الناشط اللبناني الأصل في واشنطن، معتبراً أنه قد يكون جزءاً من تكتيك الغموض الذي يلعبه ليربك فيه اسرائيل، إلا أن كل الوقائع أثبتت أن “الحزب” لا يعير أي إهتمام للمصلحة اللبنانية، إلا أنه يعلم هذه المرة أن الحرب سيكون ثمنها باهظاً على حزبه أولاً، لأن دمار لبنان عموماً وبيروت خصوصاً سيحوّل غالبية المجتمعات اللبنانية، وربما حتى شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي، ضد “الحزب” بسبب استراتيجيته الكارثية المتمثلة في ربط مصير البلد بالقضية الفلسطينية من جانب واحد! علماً أن لبنان لا يزال في خضم انهيار اقتصادي ومالي كبير، وقد لا يتمكن من الخروج من الحرب ككيان وظيفي. هناك مخاطر حقيقية تتمثل في أن البلد لن يتماسك، وقد يتبع ذلك صراع طائفي، الأمر الذي من شأنه أن يسبب عبئاً هائلاً على “الحزب” يستمر لسنوات، وهذا يمكن أن يشل بشدة قدرات الردع لديه نيابة عن إيران!

وختم الناشط الأميركي اللبناني الأصل: “ما فعلته حماس في غلاف غزة يثبت أن هذه التنظيمات العسكرية التي تشكّل الأذرع العسكرية لإيران، تقوم بمغامرات غير محسوبة، فهي وجّهت ضربة الى إسرائيل في يوم واحد وحققت إنجازاً، إلا أنها لم تفكّر في التداعيات ورد الفعل الاسرائيلي الذي أدى إلى عملية شبه إبادة لشعب غزة وحرب بلا هوادة ضد حماس قد لا تنتهي إلا بإنهائها. وهذا ما ينطبق على الحزب الذي خاض حرب تموز 2006، وسبّب للبنان وشعبه المأساة، ليعود نصر الله ويقول كلمته الشهيرة: لو كنت أعلم. لذلك ستبقى بيروت تحت دائرة الخطر إلى أن تنتهي حرب غزة وتبدأ المفاوضات وتنضج التسوية في المنطقة”.

شارك المقال