37 يوماً من العجز الاسرائيلي عن تحقيق أي هدف استراتيجي

زياد سامي عيتاني

يركز الاعلام العربي من خلال تغطيته للعدوان الاسرائيلي على حجم الاجرام الذي ترتكبه الآلة العسكرية للعدو الصهيوني قتلاً وتدميراً وإبادة وتهجيراً في قطاع غزة، والذي بالتأكيد يستحق أن يكون مادة أساسية تفرد لها مساحات واسعة من تلك التغطية، لكشف همجية الجيش الاسرائيلي واجرامه أمام الرأي العام الدولي. لكنه في المقابل يغفل عن التركيز على البعد والعمق الاستراتيجي لعملية “طوفان الأقصى” والهزيمة الكبيرة التي ألحقتها بالجيش الاسرائيلي ومخابراته من جهة، ومن جهة أخرى لا تولي الاهتمام للصمود الأسطوري والملاحم البطولية لغزة ومقاومتها الباسلة لجحافل الجيش الاسرائيلي، التي لم تتمكن من تحقيق أي هدف إستراتيجي أو أي من الأهداف المعلنة التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على الرغم من مضي 37 يوماً على حرب الابادة الجماعية للقطاع، ومنها إجتياحها البري له، والقضاء على حكم “حماس” وتقويض قدراتها العسكرية وإستعادة الأسرى، ما جعل القيادة الاسرائيلية في حالة تخبط وإرباك، وفقدان القدرة على المبادرة، من خلال خطة عسكرية واضحة وثابتة، الأمر الذي حتم عليها تغيير خياراتها العسكرية، وفقاً للتطورات الميدانية.

في بداية الهجوم الاسرائيلي على غزة، لم تعلن تل أبيب أي أهداف سياسية أو استراتيجية لعملية “السيوف الحديدية” في القطاع، حيث إكتفت بممارسة القوة النارية التدميرية والغطرسة المنفلتة بجنون لتضرب يميناً ويساراً من دون تحقيق هدف محدد. الهدف المحدد لاسرائيل هو القضاء على “حماس”، ثم أعلنت عن هدف آخر هو تغيير السلطة الحاكمة في غزة، وإبعاد “حماس” عنها. ظهرت بعد ذلك آراء حول تولي قوى دولية أو إقليمية أو السلطة الفلسطينية إدارة غزة. طالما ظلت الصواريخ تنطلق من غزة باتجاه إسرائيل، لا نستطيع أن نقول إن إسرائيل حققت أهدافها، بل ما فعلته هو هدم المنازل وضرب الأطفال والشيوخ والنساء، وهذا هو حيلة العاجز المنتقم. فإسرائيل تمارس سياسة “الحقل المهجور”، تحرق وتقتل وتبيد من دون تمييز بين مدني ومسلح، والهدف هنا أن تكون غزة غير صالحة للعيش مستقبلاً، ما يعني تهجيراً قسرياً للفلسطينيين.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قوله: “إن هدف الجيش الاسرائيلي الرئيس هو تدمير هيكل قيادة حماس في غزة، وبمجرد تحقيق ذلك فإن أفراد الحركة سيشكلون تهديداً أقل ويمكن هزيمتهم مع تطور الصراع من مرحلة القتال العنيف إلى مرحلة أقل حدة”.

وأضافت الصحيفة: “ان بعض المسؤولين الاسرائيليين يعتقدون أن هزيمة حماس قد تستغرق ما يصل إلى عام”. بدوره، كشف نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي أن مجلس الحرب الاسرائيلي يرغب على الأرجح في تدمير “حماس” سياسياً وعسكرياً، وإعادة السلطة الفلسطينية مرة أخرى الى السلطة في القطاع. وبشأن إمكان تحقيق الحكومة الاسرائيلية خططها، قال ملروي: “إذا كانت الحكومة الاسرائيلية مستعدة لإبقاء الجيش الاسرائيلي في غزة لعدة أشهر، وربما لمدة عام مع تكبد خسائر كبيرة، فيمكنها تدمير حماس عسكرياً”. لكنه عاد للتأكيد أن “الأمر لن يكون سهلاً على الإطلاق”، ضارباً المثل بالعراق الذي نجح في استعادة الموصل من “داعش” في العام 2016، بعد أشهر طويلة من القتال.

وإزاء ذلك، يعتبر الخبراء أن كل فشل عسكري واستخباراتي لاسرائيل في حربها المستمرة في قطاع غزة ينعكس من جهة بصورة سلبية على الحكومة الاسرائيلية، ويصب في صالح حركة “حماس” من جهة أخرى. كذلك، يخشى الخبراء من أن المرحلة المقبلة من الحرب ستكون “رجلاً لرجل” وهي عملية صعبة وخطيرة، خصوصاً وأن الوقت ليس في صالح إسرائيل نهائياً، في حين أن الفلسطينيين في المقابل لن يخسروا أكثر مما خسروه في المواجهات، بعد تجاوز عدد الضحايا 10 آلاف نصفهم من الأطفال والنساء. وتزداد خشية الخبراء من صعوبة تحقيق الجيش الاسرائيلي أي إنجاز إستراتيجي، مع سقوط أسطورة صواريخ المنظومة الدفاعية الاسرائيلية مثل “حيتس” للمدى الطويل أو “المقلاع ديفيد” للمدى المتوسط أو “القبة الحديدية” للمدى القصير وأسطورة حاملة الجند “نمر” وأسطورة “الميركافا 4”.

كل هذه الوقائع، ينتج عنها قلق في صفوف القيادة العسكرية الاسرائيلية من أن تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً متزايدة حتى من واشنطن، للحد من الأعمال العسكرية الوحشية التي تستهدف الأحياء والمستشفيات والمدنيين، من دون التمكن من إستهداف هيكلية “حماس” القيادية ولا قدراتها العسكرية، وبالتالي ممارسة الضغوط السياسية على نتنياهو للقبول بالدخول في مفاوضات غير مباشرة عبر الوسطاء لوقف العدوان، من دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة، التي كان يراهن عليها، لاستعادة ولو جزئياً هيبة الجيش الاسرائيلي، التي اهتزت منذ السابع من تشرين، ولا تزال جراء ما يرتكبه من عمليات إجرامية ممنهجة، للتغطية على عجزه عن تحقيق أي إنجاز ميداني، يحفظ له ماء الوجه.

شارك المقال