“أنفاق غزة”… سلاح “حماس” الاستراتيجي وهاجس اسرائيل الخطير

عبدالرحمن قنديل

قامت حركة “حماس” ببناءِ شبكةٍ متطورة من الأنفاق العسكرية منذ سيطرتها على غزة في العام 2007، ويتفرَّع نظام الأنفاق أسفل العديد من مناطق القطاع بما في ذلك خان يونس و‌جباليا و‌مخيم الشاطئ. ونجحت في صنع نوعين من الأنفاق: داخلية وخارجيّة، أما الأولى فهي تلك التي تمتدُّ على طولِ عشرات الكيلومترات داخل قطاع غزة، وتُستخدم لأغراض عدّة بما في ذلك إخفاء ترسانتها من الصواريخ تحت الأرض وتسهيل الاتصالات، والثانية السماح بإخفاء مخزونات الذخيرة والنشطاء ما يُصعِّب على الاحتلال الاسرائيلي كشفهم عبر طائراته المُسيّرة.

تعد شبكة الأنفاق التي حفرتها حركة “حماس” وتديرها في قطاع غزة، الهدف الرئيس لقيام اسرائيل باجتياحها البري للقطاع خلال حربها عليه المستمرة منذ عملية “طوفان الأقصى”، وتستعد لتدميرها بأسلحة فتاكة، منها المحرم دولياً، وقنابل تُستخدم لأول مرة. واستُخدمت أنفاق “حماس” مرات عديدة خلال العدوان الاسرائيلي على القطاع عام 2014، وظل تدميرُها هدفاً رئيساً لقوات الاحتلال منذ ذلك الوقت.

تنظر إسرائيل الى الأنفاق في غزة على أنها سلاح “حماس” الاستراتيجي لأنها تعطيها إمكان القتال من تحت الأرض من أماكن مخفية، كما تمكنها من التستر من الضربات الاسرائيلية والتنقل في مناطق القطاع من دون أن تكشف عناصرها، بحسب ما يشير الخبير في الشؤون الاسرائيلية عصمت منصور في حديث لـ”لبنان الكبير”، موضحاً أن “هذه الأنفاق تعطي حماس طريقة لإخفاء صواريخها وإطلاقها من دون أن تقدر اسرائيل على إعتراضها وإخفاء المخطوفين والأسرى والاحتفاظ بهم من دون الوصول إليهم”.

ويعتبر أن “أنفاق حماس فرضت شكل القتال على إسرائيل، أي هي من فرضت الدخول البري الى غزة، لأنه لولا هذه الأنفاق لكانت إسرائيل إكتفت باستهداف حماس بالصواريخ ولم تضطر إلى الدخول البري وتكبد كل هذه الأثمان، فضلاً عن أن هذا الدخول فرض كل هذا الهدم والقتل والتدمير على قطاع غزة وجعل صورة الحرب وحشية كما نرى ونشاهد”.

ويؤكد منصور أن “الأنفاق أعطت لحماس إمكانات غير محدودة خصوصاً أن لا أحد يعلم حجمها، لذلك العنوان الأبرز لهذه المواجهة سيكون مرحلة الأنفاق”، متسائلاً “هل ستستطيع إسرائيل أن تتجاوز مسألة الصعوبة في الوصول الى قيادات حماس ومخطوفيها؟ وكم سيحتاج الأمر؟ وكيف ستعالج قضية الأنفاق التي يقال إن جزءاً منها بحدود الـ 70 متراً عمقاً تحت الأرض ولديها شبكات ومتاهات لا يمكن ضبطها؟”.

ويشدد على أن “مسألة الأنفاق ليست وهماً، لأنها سلاح إستراتيجي بيد حركة حماس وهاجس أمني خطير لاسرائيل ومعضلة كبيرة بالنسبة اليها”.

أما الباحث في الشأن الاسرائيلي أكرم عطاالله فيقول: “إن الأنفاق مشكلة بالنسبة الى إسرائيل لأنها شيئ مبهم وغير معروف وتحت الأرض ومن الصعب أن تصلها القوات البرية ولا حتى من خلال الطيران”، مشيراً إلى أن “الأهم هو أن التكنولوجيا تحت الأرض ستنقطع فيما لو فكرت إسرائيل في دخول هذه الأنفاق، فضلاً عن أنها بعيدة عن كل شيئ لذلك تسبب هاجساً لديها”.

ويذكر عطاالله بأزمة أميركا في حرب فيتنام “لذلك تعود إسرائيل بالذاكرة إلى تلك الحرب لأن من أحد أسباب هزيمة أميركا في فيتنام هو حرب الأنفاق، فهذه المسألة تعود إلى الحرب البدائية وبالتالي فإن إسرائيل تعتمد على الحرب المتقدمة والتكنولوجيا لذلك تخشى حرب الأنفاق”.

ويوضح الخبير في الشؤون الاسرائيلية نهاد أبو غوش أن “هاجس الأنفاق هاجس قديم بحيث شنت إسرائيل حرباً كاملة في العام 2014 للقضاء عليها بعدما اكتشفت أن المقاومة يمكنها اختراق الحواجز الاسرائيلية من خلال الأنفاق. الصورة المنتشرة في وسائل الاعلام مستمدة من تقارير إعلامية واستخبارية إسرائيلية ، ومن معلومات عامة عن تقنيات حفر الأنفاق في دول أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية، إلى جانب تجربة حزب الله والمقاومة اللبنانية، والتقديرات تشير إلى أن المقاومة تملك شبكة معقدة ومتداخلة من الأنفاق يمتد طولها الى مئات الكيلومترات، وتتعدد مستوياتها وطبقاتها ويتراوح عمقها بين 30 الى 80 متراً تحت الأرض ما يجعلها عصية على القنابل والمتفجرات التقليدية، كما أن الأنفاق مترابطة ومتصلة مثل المتاهات وفيها لوازم تمكن المقاومين من البقاء والصمود لفترات طويلة”.

ويضيف أبو غوش: “لا يخلو الأمر من مبالغات إسرائيلية هدفها دعشنة حركة حماس، وتبرير استخدام هذه الوتيرة الكثيفة جداً من القصف (نحو 35 ألف طن خلال شهر على هذه المنطقة الصغيرة)، المصادر الاسرائيلية تدعي وجود أكثر من خمسة آلاف مقاتل للمقاومة داخل الأنفاق، كما تدعي وجود مراكز القيادة أسفل المستشفيات لتبرير قصفها ومحاولات إفراغ شمال قطاع غزة من السكان”.

ويكشف أن “الأنفاق توفر الى جانب الركام والأزقة ميزة الكر والفر للمقاومة، وإمكان الخروج من أي نقطة ثم الاختفاء السريع، ويمكن لها أن تواجه الآليات الاسرائيلية من أسفلها عبر العبوات الناسفة أو عبر استهدافها بالقذائف المضادة للدروع، كما أن الأنفاق هي مرابض للصواريخ التي لا تزال المقاومة قادرة على اطلاقها على العمق الاسرائيلي بعد 37 يوماً من القتال”.

ويعرب أبو غوش عن إعتقاده أن “هناك تقديرات عن استقدام إسرائيل عدة أنواع من القنابل المخصصة للأنفاق منها قنابل اهتزازية أو ارتجاجية تفعل فعل الهزات الأرضية الصغيرة فتهدم الأنفاق على من فيها، والقنابل الاسفنجية والتي يمكنها اغلاق فوهات الأنفاق وخنق من بداخلها، إلى جانب الخشية من استخدام أسلحة كيماوية لخنق من بداخل الأنفاق وتسميمهم، وحتى وسائل لإغراق الأنفاق بمياه البحر، ولكن في كل هذه المقاربات يجب ألا ننسى أن القدرة الحقيقية لدى المقاومة تتمثل في الجوانب المعنوية وخصوصاً إرادة المقاومة، مقابل جنود لا يتحركون الا بحماية آليات مدرعة وخدمات لوجيستية متقدمة وتمهيد بقصف جوي وشبكة اتصالات متقدمة”.

شارك المقال