اعتداءات اسرائيل على الاعلاميين… حجب للحقيقة أم أخطاء عسكرية؟

جورج حايك
جورج حايك

أثبتت الوقائع أن اسرائيل لا تميّز بين عسكري وصحافي ومدني، ولا تفسير لهذا الأداء إلا بفقدان كل القيم الأخلاقية والانسانية والقانونية لدى الجيش الاسرائيلي، ولعل الحادثة التي حصلت منذ يومين في بلدة يارون في الجنوب اللبناني أبرز دليل على ذلك.

فعندما وصل موكب سيارات وسائل الاعلام إلى نقطة متقدمة في يارون تكشف على مواقع اسرائيلية، أطلقت المدفعية قذائف بإتجاهها وكانت تضم مندوبين ومصورين للـMTV و”الجديد” و”الجزيرة” وغيرها، وأصيبت سيارة قناة “الجزيرة” مباشرة والمصوّر عصام مواسي.

ويلفت الاعلامي نخلة عضيمي الذي كان في الموكب الى أن “لا أحد منا كان مستعداً للمجازفة بحياته، ومعظمنا خضع لدورات تلقينا فيها كيف نتصرف في تغطية الحروب، لكن قبل أن نتجه إلى يارون استشرنا الجيش اللبناني واليونيفيل، وكانا على علم بدخولنا إلى المنطقة، ولم يكن متوقعاً أن يحصل ذلك. فما حصل كان استهدافاً مباشراً وليس خطأ عسكرياً، والطائرة الاسرائيلية كانت فوقنا وهم عرفوا أننا صحافيون من سياراتنا، إلا أن المقصود كان استهدافنا ودرجة الخطأ لم تتجاوز متراً واحداً!”.

ويؤكد خبراء القانون الدولي، أن الصحافيين بحكم وضعهم كمدنيين يتمتعون بحماية القانون الدولي الانساني من الهجمات المباشرة، شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيراً لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الاضافي الأول، ووفقاً لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضاً إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ويمكن للصحافيين المدنيين الذين يمارسون مهنتهم فى مناطق النزاع المسلح أن يتمتعوا بحماية إضافية إذا كانوا معتمدين من إحدى أطراف النزاع، وذلك بموجب المادة 4 من اتفاقيات جنيف لعام 1949. وفي هذه الحالة، يتمتع الصحافيون بوضع أسرى الحرب إذا تم أسرهم من الطرف المتحارب.

ويؤكّد عضيمي أن “اسرائيل لا تحترم القوانين والمواثيق الدولية”، مشيراً إلى “أنها تعرف أهمية الاعلام في الحروب، فهو قادر على أن يربّح أو يخسّر حروباً، وهي لا تريد أن يصوّر الاعلام استهدافاتها لبيوت المدنيين وإحراقها لبساتين الزيتون وكل ارتكاباتها، وبالتالي الاعلام سلاح خطير بالنسبة اليها لا يقل أهمية عن سلاح النار، وها هي تمنع الانترنت والتصوير في قطاع غزة وتحاول أن تفعل الأمر نفسه في الجنوب، أما إذا تركت الاعلام حراً فسيفضحها ويزعجها”.

وسبق لاسرائيل أن فعلت الأمر نفسه في الجنوب منذ شهر وأدى ذلك إلى استشهاد الصحافي اللبناني عصام عبد الله وإصابة 6 صحافيين آخرين بجروح.

لماذا تستهدف اسرائيل الاعلاميين؟ يجيب الاعلامي سيمون أبو فاضل: “بات واضحاً ان الهدف هو إبعاد الاعلاميين والصحافيين عن الساحة التي تمارس فيها اسرائيل الجرائم والتعديات والقصف العشوائي، أنا مقتنع بأنها تفعل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم”.

وقد يفترض البعض لفهم الأعمال الاسرائيلية العدائية أنها لا تريد أن يقترب أحد من مواقعها العسكرية ويصوّرها، إلا أن أبو فاضل لا يوافق على هذه النظرية، ويرى أنه “لا يمكن لأي صحافي أو مصوّر أن يعرف أكثر مما يعرف حزب الله، والصحافي لا يعمل جاسوساً لدى أحد، اسرائيل مستعدة أن تقتل الصحافيين كي لا يظهروا اعتداءاتها على المدنيين”.

ولا يختلف الوضع في قطاع غزة عن الجنوب اللبناني، وقد سجّل استشهاد أكثر من 50 صحافياً منذ بداية الأعمال الحربية، ويوضح أبو فاضل أن “اسرائيل التي تقوم بحرب كبيرة ضد غزة لا تأخذ في الاعتبار استشهاد الصحافيين، ولا حتى سقوط 11 ألف ضحية، فهي مرتاحة الى أن المجتمع الدولي يدعمها، ومع تقديري واحترامي للزملاء وقيمتهم الكبيرة، إلا أن قتل اسرائيل عدداً من الصحافيين، تعتبرهم ضحايا حرب، وقد تستنكر منظمات حقوقية أو داعمة للصحافيين، ثم ينسى العالم وتستمر اسرائيل في اعتداءاتها، فمن يحاسب؟”.

بات معروفاً أن اسرائيل لا تبالي بالصحافيين ولا بالمدنيين، وربما على الصحافيين حماية أنفسهم وعدم الاقتراب من ساحات المعارك، لكن أبو فاضل يعتبر ذلك غير واقعي، “لأن الصحافيين يؤدون واجبهم في إطار مهنتهم، وبالتالي تفقد المهنة أهميتها وقيمتها إذا طلبنا من الصحافيين الامتناع عن ذلك، لذلك أنا أقول، حمى الله كل أهل الصحافة لأن اسرائيل تخاف من أقلامهم وأصواتهم وكاميراتهم”.

وقد يكون استشهاد مراسلة قناة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة في 11 أيار 2022 بنيران اسرائيلية، أكثر الجرائم وضوحاً على همجية اسرائيل وخصوصاً أن صورة أبو عاقلة كانت راسخة في وجدان الجمهور العربي الذي اعتاد وجهها وصوتها وتقاريرها على مدى أكثر من 25 عاماً.

وعلى الرغم من وضوح هذه الجريمة وحصولها مباشرة على الهواء، وخرق اسرائيل للقوانين والأعراف الدولية بدم بارد، ومطالبة قناة “الجزيرة” بـ”إدانة” قوات الاحتلال الاسرائيلي ومحاسبتها، لتعمّدها استهداف أبو عاقلة وقتلها، لكن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن.

ويزخر السجل الأسود للقوات الاسرائيلية باعتداءات ممنهجة على الصحافيين والعاملين في مجال الاعلام، راح ضحيتها – قبل عملية “طوفان الأقصى” – ما يزيد عن 46 منهم. وتعرّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبياً، وفق تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، لاعتداءات اسرائيلية خلال تغطيتهم الأحداث في غزة والضفة الغربية والقدس، خلال الأعوام ما بين 2018 و2022، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بقنابل الغاز والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، ما خلَّف إصابات بليغة نتج عن غالبيتها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

لا تكف نيران قوات الإحتلال عن القتل الممنهج للزملاء الصحافيين، وانتهاك القوانين الدولية، والعالم يقف مكتوف الأيدي ويتفرج على قصص الصحافيين في قطاع غزة وجنوب لبنان ومآسيهم.

شارك المقال