ميقاتي يحسب المخاطرة بدقة وسلام يرفض التلطي بترشيحه

وليد شقير
وليد شقير

بدأ الفريق الرئاسي ابتزاز الرئيس نجيب ميقاتي قبل تكليفه في أسلوب خارج عن المنطق، وأقرب إلى المراهقة السياسية، من أجل الحصول منه على ما لم يتمكن من تحصيله من الرئيس المعتذر سعد الحريري: التمتع بامتيازات في الحكومة العتيدة، تسمح بالتحكم بها وبإدارتها على طريقة إدارة الرئيس ميشال عون دفة الحكم باصطناع أدوات لا صفة قانونية لها مثل المجلس الأعلى للدفاع أو بأسلوب السيطرة على وزارات معينة بهدف تحقيق المنفعة الخاصة أولاً والفئوية ثانياً، كما هي الحال مع حقيبة الطاقة.

هذه هي الحال الآن مع حقيبة الداخلية التي يرمي هذا الفريق بثقله لتوليها من أجل ممارسة الكيدية على خصومه واستخدام سلطاتها من أجل التلاعب بالانتخابات النيابية المقبلة في حال جرت.

لم يكن عن عبث طلب عون وصهره النائب جبران باسيل الثلث المعطل، تارة صراحة وأخرى مواربة، بحجب حق تسمية وزيرين مسيحيين عن الرئيس المكلف، وعن طريق افتعال شعارات تحوّر الدستور من نوع حق الرئاسة وصلاحياتها والشراكة في الحكم وحقوق المسيحيين. فالهدف الأساسي والجوهري لهذا الفريق ولـ”التيار الوطني الحر” هو ضمان القدرة على السيطرة على الحكومة والتمكن من تعطيلها، لا سيما إذا تسلمت صلاحيات الرئاسة في حال حصول فراغ رئاسي، إذا لم تنسجم توجهاتها مع تطلعاته الرئاسية.

وفي وقت يثبت كل ذلك مجدداً الغربة الكاملة لهذا الفريق عن الواقع المأسوي الذي يعيشه اللبنانيون في حياتهم اليومية، وعدم اكتراثه بالتداعيات الكارثية للتفرد بالسلطة والقرار على رغم الفشل طوال خمس سنوات، يلجأ باسيل إلى مناورة تسمية السفير السابق في الأمم المتحدة، والقاضي في محكمة العدل الدولية الدكتور نواف سلام، لرئاسة الحكومة في عملية ذر للرماد في العيون وتسترٍ على مطالبه الحقيقية التي يسعى إليها في الحكومة التي يمكن أن يرأسها ميقاتي.

مع علمه المسبق بأن حليفه الأساسي المقرِّر في استحقاق من هذا النوع ليس في وارد القبول بشخصية مستقلة لا تخضع للإملاءات مثل القاضي سلام، يتوهم باسيل ومعاونوه بأن مناورة كهذه تنطلي على الفرقاء السياسيين، أو على الجمهور اللبناني الواسع، الرافض للطبقة السياسية والذي يرتاح إلى إسم شخصية تتمتع بالسمعة الطيبة، لاقت مقبولية عالية من الحراك الشعبي وثوار 17 تشرين قبل نحو سنة. والوهم عند باسيل هو صنو الإنكار لدور فريقه في ما آلت إليه أوضاع البلد. فمثلما سعى إلى مصادرة شعارات الثورة والثوار منذ 17 تشرين، مدعياً أنها شعاراته ومطالبه، ولم يقنع بذلك أصغر مواطن من الناقورة إلى عكار، امتلأت تعليقات مؤيدي الحراك الشعبي والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المتهكمة على خيار “التيار الحر” تسمية نواف سلام لمعرفة أصحابها المسبقة بأنها كلام حق يراد به باطل. ومن بين التعليقات ما دعاه إلى أن “حلّ عن نواف سلام”.

وفي وقت يدرك المتصلون بالقاضي سلام أنه ليس في وارد استغلال تسميته من أجل مناورة في إطار اللعبة الرخيصة بين أطراف الطبقة السياسية التقليدية، أو للتلطي بهذه التسمية من أجل ابتزاز ميقاتي لتحقيق مطالبه التوزيرية، ثمة من يقول من الأوساط السياسية أن باسيل كان يتجه إلى تسمية ميقاتي لكنه عدل حين أعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية سمير جعجج أن نواب حزبه لن يسموا أحداً “لاستحالة أي إصلاحات طالما الثنائي عون-“حزب الله” وحلفاءهما ممسكان بالسلطة”، لجأ رئيس “التيار الحر” إلى تأييد سلام في إطار المزايدة على جعجع في ادعاء تبني شخصية إصلاحية نظراً إلى هويتها التغييرية، مع ضمانه أنها لن تحظى بقبول حليفه الحزب.

لم تنطلِ مناورة باسيل على القاضي سلام نفسه لرفضه استخدامه مطية في لعبة باتت ممجوجة بين أركان المسرح السياسي. فالأخير كان واضحاً حين اتصل به بعض الجهات الخارجية والعديد من الفرقاء السياسيين لجس نبضه، ومنهم بعض رموز “التيار الحر”، بتشديده على جملة مبادئ:

  • لا أسعى إلى رئاسة الحكومة على رغم أني في المعترك السياسي وفق قناعاتي التغييرية منذ عقود.

  • أن البلد في كارثة استثنائية تتطلب إنقاذاً ببرنامج إصلاحي سريع بات معروفاً، وتضمنته خريطة الطريق الفرنسية، تنفذه حكومة، كائناً من كان رئيسها، بصلاحيات استثنائية لمدة لا تتجاوز آخر العام، حتى لا تفرمل الخلافات والمماحكات التقليدية تطبيقها، وتعطلها كما الحكومات السابقة. ولم يعد ممكناً التعاطي مع الأزمة المصيرية بالطريقة السابقة Business as usual بعدما بلغنا الحضيض الذي لا قعر له.

  • إذا كان البعض يتحفظ على الصلاحيات الاستثنائية لأسباب سياسية، فإنها يجب أن تكون محصورة بقطاعات محددة أي الطاقة، الاقتصاد، الاتصالات، الشؤون الاجتماعية، والمالية. وفي الإمكان الطعن بالمراسيم التشريعية التي تصدر عن هذه الحكومة أمام مجلس شورى الدولة.

  • أبلغ من راجعه حول موضوع ترشيحه بأنه “لا أقول أمراً تحت الطاولة غير ما أفكر به علناً وفوق الطاولة وليس لدي مصالح لأدافع عنها، بل أنظر إلى الأمور من زاوية الخطورة التي بلغها الوضع بالبلد، وإذا كنت أسعى إلى الإصلاح فهذا لا يعني أني أهوى الانتحار”.

بموازاة انكشاف مناورة تسمية سلام أمام الناشطين في الثورة ورموز المجتمع المدني، فإن الوسط السياسي التقليدي تعاطى معها على أنها محاولة لإحراج ميقاتي بإسقاط الميثاقية عن تكليفه بسبب عدم تسميته من قبل كتلتين مسيحيتين كبيرتين، أي “تكتل لبنان القوي” و”تكتل الجمهورية القوية” بهدف استدراج ميقاتي إلى محاولة استرضاء باسيل لتعديل موقفه من التسمية من جهة ولجر الرئيس المكلف إلى حلبة البازار التوزيري والشروط العونية التي سبق أن تسببت باعتذار الحريري.

إقرأ أيضاً: سلام تعوزه الميثاقية وميقاتي ملتزم سقف بري – الحريري

ومع أن بعض الأوساط السياسية تحدث عن بدء البحث بالحقائب والتشكيلة الحكومية، فإن ما يغفل عنه الفريق الرئاسي هذه المرة أن ميقاتي لن يخوض المخاطرة برصيده السياسي وبدوره المستقبلي لأن أي صيغة تكبله ستعني سقوطاً ليس مستعداً لأن يذهب إليه أمام الجمهور الواسع والطرابلسي. ولذلك وضع لنفسه معايير من أجل تشكيل فريق متجانس بإمكانه اتخاذ قرارات من دون أن يتلقى التعليمات من هذا أو ذاك لسلوك الطريق الإنقاذي، فضلاً عن أنه وضع لنفسه مهلة قصيرة للتأليف لن يبقى من بعدها في وضعية الفراغ القاتل. والأيام المقبلة ستوضح مدى قدرة الفريق الرئاسي على ابتزازه في التشكيلة الحكومية.

شارك المقال