احتلال “الشفاء”… بروفا للضفة؟

زاهر أبو حمدة

احتاج الاحتلال الى مبرر لاقتحام قواته مستشفى “الشفاء”، لذلك مهد إعلامياً وسياسياً قبل 30 يوماً أن الأسرى الاسرائيليين موجودون تحت المستشفى، وأن هناك قادة المقاومة وغرفة قيادة وسيطرة وأنفاقاً متشعبة تحت المبنى. بعد ذلك مهد نارياً وقصفاً بكل أنواع القنابل في محيطه، حتى أعطى البيت الأبيض الضوء الأخضر للاقتحام، وبما أن البنتاغون يتبنى رواية “الكرياه” والبيت الأبيض يتحدث بلسان “الكابينت”، زعم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أن “أجهزة الاستخبارات الأميركية وصلت الى معلومات تفيد بأن حماس والجهاد الاسلامي تستخدمان بعض المستشفيات في قطاع غزة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، والأنفاق تحتها لإخفاء ودعم عملياتهما العسكرية واحتجاز الرهائن”. وأضاف أن من وصفهم بـ “أعضاء حماس والجهاد الاسلامي يشغلون مركز قيادة وسيطرة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة. لقد خزنوا أسلحة هناك وهم مستعدون للرد على عملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشأة”. لكن بعد الاقتحام اكتشفوا أن ذلك كله كذب يشبه أكاذيب أسلحة الدمار الشامل العراقية. وحاول الاحتلال إعادة تبرير ذلك ليقول مسؤول إسرائيلي لموقع “واللا” العبري إن “الهدف من اقتحام الشفاء ليس تحرير أسرى إسرائيليين بل البحث عن أنفاق ينطلق منها مقاتلو حماس إلى أنحاء القطاع”. وطبعاً لن يجدوا أنفاقاً.

نحن أمام فضحية كبرى للاستخبارات الأميركية والاسرائيلية كما حصل معها في 7 تشرين الأول الماضي. حتى أن بعض الأصوات الاسرائيلية بدأت تتحدث عن الفضيحة، فمراسل القناة 13 العسكري أور هيلر، يقول على الهواء مباشرة إنه “على الرغم من وجود معلومات استخبارية، لكن للأسف الجيش الاسرائيلي لم يعثر على أسرى في مستشفى الشفاء”.

لكن ما السبب الرئيس لاحتلال مستشفى “الشفاء”؟

حين نفذ أرئيل شارون والميليشيات الطائفية اللبنانية مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، اقتحموا مستشفى عكا وقتلوا الأطباء والمرضى واغتصبوا ممرضات. الهدف كان عسكرياً قبل أي شيئ، فهو مبنى من ثلاثة طوابق وأعلى نقطة جغرافياً تشرف على المخيم ويمكن وضع قناصات ورشاشات على أسطحه. هذا ما فعلته وحدة “البلماخ” التابعة لعصابة “الهاجانا” في شباط 1948 في بلدة قيسارية (ريف حيفا) للسيطرة على طريق يافا (تل أبيب) الرئيس، وحينها سيطروا على مستوصف البلدة عند بدء الهجوم. احتلال مستشفى “الشفاء” كمجمع يمكن التحصن فيه ومن خلاله يمكن السيطرة المباشرة على الشوارع الرئيسة الأربعة في محيطه ونارياً بعمق نحو حي التفاح. بكل تأكيد، هناك أهداف معنوية ونفسية وسياسية تتعلق بمفاوضات الأسرى لكن الهدف العسكري هو الأولوية.

ما يحصل لمستشفيات القطاع المحاصر، تحضر له قوات الاحتلال لتنفيذه في الضفة الغربية. فالمخطط الاسرائيلي هو إعادة الأمور إلى ما قبل العام 2005 عندما انسحبت من مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة. حالياً سيعمل الاحتلال إلى إعادة احتلال مباشر وتثبيت قوات عسكرية فيها. لذلك يعمل الأردن على إقامة مستشفى ميداني في غرب نابلس. وفي المعلومات أن المحافظة والبلدية في نابلس قدمتا أكثر من موقع كخيار، ومنها المنطقة الشرقية لكن الأردن اختار موقع جمال عبد الناصر لاعتبارات أمنية مثل أن يكون بعيداً عن نقاط التماس والمواجهة، وأن يكون قريباً من مدرسة “الأونروا” لاستخدامها لمنامات الأطباء ومكاتبهم.

هذا كله يشير إلى أن مشروع التهجير لن يكون في غزة فقط، إنما سينتقل إلى الضفة الغربية وفلسطينيي عام 1948. وهذا السيناريو ربما يفجر المنطقة، فمن سيتحمل تهجير أهالي الفلسطينيين للمرة الثالثة بعد النكبة والنكسة؟

شارك المقال