بشار وماهر الى المحاكمة… لا مكان للأسد في مستقبل سوريا

حسين زياد منصور

لم يكن الرئيس السوري بشار حافظ الأسد يعلم أنه في الوقت الذي يحاضر فيه ويندد بهمجية اسرائيل والمجازر التي ترتكبها بحق الفلسطينيين وخصوصاً أبناء غزة، كان قضاة التحقيق في فرنسا يحضرون مذكرة توقيف دولية بحقه وشقيقه ماهر قائد “الفرقة الرابعة”.

ظن الأسد أنه بمحاولاته لفك عزلته التي استمرت أكثر من 10 سنوات، قادر على محو سنوات طويلة من المعارك والمجازر والتهجير وتقسيم البلاد التي تسببت بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتشريد أكثر من نصف السوريين. ظن أن مقولة “عفا الله عما مضى” تحققت بعد محاولات تعويمه في الفترات الماضية، الا أن الدعاوى المرفوعة بحقه لم تسقط بعد.

يتهم الأسد ونظامه بالقيام بهجمات بغاز السارين في آب 2013، أي منذ أكثر من 10 سنوات، وذلك في منطقة الغوطة بالقرب من العاصمة السورية دمشق، ما نتجت عنها وفاة أكثر من 1000 شخص.

هذه المذكرة صدرت بناءً على شكوى جنائية قدّمها المركز السوري للاعلام وحرية التعبير والأرشيف السوري ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح ومنظمة المدافعين عن الحقوق المدنية، لضلوع النظام السوري في جرائم حرب وضد الانسانية، اذ ان تحقيقاً مشتركاً بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أكد في نتائجه استخدام الحكومة السورية غاز الأعصاب السارين، فضلاً عن استخدام غاز الكلور كسلاح عدة مرات. وعلى الرغم من التحقيقات والدلائل والشواهد، الا أن النظام السوري ينفي ذلك. 

مذكرة تاريخية

رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية المحامي أنور البني يصف في حديث لموقع “لبنان الكبير” هذه المذكرة بـ “التاريخية”، ويقول: “انها المرة الأولى في التاريخ التي تصدر مذكرة بحق رئيس جمهورية عن قضاء وطني، فمن الممكن أن تصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرات كهذه ولكن بتفويض من مجلس الأمن، لكن عن قضاء وطني كان دائماً يعتبر وجود حصانة رئيس جمهورية. وهذه المرة الأولى التي تصدر فيها مذكرة كهذه عن قضاء وطني بحق رئيس جمهورية على رأس عمله، وهي مسألة مهمة جداً وتاريخية لم تحصل سابقاً”.

ويضيف: “المذكرة صدرت بحق بشار وماهر الأسد و2 من ضباطه المرتبطين بمركز البحوث والقوة الجوية التي نفذت الضربة والمرتبطة بالهجوم الكيماوي على الغوطة عام 2013، وهذه هي المرة الأولى التي تتم فيها المحاكمة بسبب استخدام السلاح الكيماوي. وهذه مسألة مهمة جداً في سوريا ومهمة للعالم لأن استخدام السلاح الكيماوي بنظر كل العالم جريمة، ويجب محاكمة من استخدمه كي لا يفلت من العقاب، لأن عكس ذلك يعطي الضوء الأخضر للكثيرين في استخدامه من دون رادع”.

وعن تأثير هذه المذكرة، يوضح البني أنها ستؤثر على المستقبل “أولاً هؤلاء المجرمون لا يمكن أن يكونوا جزءاً من المرحلة الانتقالية، ولا حتى جزءاً من المستقبل ولا يمكن اجراء أي تسويات معهم ولا يمكن السماح للسياسة أن تطغى على العدالة، فسابقاً كانت السياسة والاتفاقات تمنع العدالة، الآن العدالة هي من تحدد خطوط الحلول السياسية ومن يجب أن يكون في الحل السياسي، وهي مسألة مهمة جداً بحيث لم يعد من المعقول أو الممكن بأي شكل من الأشكال أن يكون بشار أو مجموعة المجرمين هؤلاء جزء من الحل السياسي ولا من المستقبل ولا من المرحلة الانتقالية”.

ويلفت البني الى أن “العديد من الدول وقعت في الخطأ، بعد أن سمحت للمجرمين بأن يكونوا جزءاً من المستقبل، وآخر مثال هو السودان، ولبنان من أوائل الأمثلة التي حوّلت المجرمين وأمراء الحرب الى أمراء سلم وسياسة، وفي السودان مجرمو الحرب الذين دخلوا المرحلة الانتقالية، الآن يدمرونها، وكثير من الدول الأخرى أيضاً، كل ذلك أكد أنه لا يمكن بناء سلام من دون وجود عدالة كاملة والمجرمون لا يكونوا جزءاً من المستقبل”.

تسليم الأسد

ويشير البني الى أن المذكرة الفرنسية أقوى من مذكرة توقيف تصدر عن محكمة الجنايات الدولية لأنها تعمم على الانتربول، مؤكداً أن “من المفترض على كل دولة تربطها علاقات مع فرنسا وموقعة على اتفاقات الانتربول، أن تسلم بشار الأسد والمطلوبين الى القضاء الفرنسي، وبالتالي تنفذ عن طريق الانتربول وعلى كل الدول التي تحترم علاقاتها مع فرنسا أن تسلم بشار الأسد، وبالتالي لم يعد هناك أي مجال لأي دولة أن تستضيفه أو أن تبني علاقات معه، من دون ان تنقض علاقاتها مع فرنسا وهذه مسألة ستكون مؤثرة جداً بالنسبة الى أي دولة ترفض تسليمه في حال وصل الى أراضيها”.

ويشدد على أن “هذه المسألة مهمة جداً، بينما مذكرات محكمة الجنايات الدولية لا تستخدم الانتربول، والدول إن لم تلتزم بها لا عقوبات عليها فإن لم تكن عضواً في المحكمة فهي لا تؤثر انما كل دول العالم أعضاء في الانتربول، ولها علاقات مع فرنسا، وبالتالي حريصة على أن لا تتأثر هذه العلاقات أو تهتز”.

ويختم البني بالقول: “بالاضافة الى ذلك القانون الفرنسي يسمح بالمحاكمة غيابياً، وفي أيار سيفتح محاكمة علنية على علي مملوك وجميل الحسن بتهمة جرائم ضد الانسانية، والآن من الممكن أن تفتح محاكمة علنية ضد بشار الأسد لأن القانون الفرنسي يسمح بالمحاكمة بالغياب بعكس القانون الألماني مثلاً، بحيث تبقى مذكرات التوقيف موجودة ومجمدة حتى يتم القاء القبض على المتهم”.

ليس بشار وحده

والى جانب بشار، تشمل المذكرة شقيقه ماهر الأسد قائد “الفرقة الرابعة”، ومعهما أيضاً ضابطان سوريان كبيران، هما العميد غسان عباس مدير “الفرع 450” في “مركز الدراسات والبحوث العلمية”، واللواء بسام الحسن مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي و”مركز البحوث العلمية”.

وفي الأشهر القليلة الماضية، كان القضاء الفرنسي أيضاً قد أصدر مذكرات توقيف بحق ثلاثة من كبار الضباط التابعين للنظام السوري، لتورطهم في ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في سوريا، وهم علي مملوك وجميل الحسن وعبد السلام محمود. وستتم محاكمتهم في أيار 2024.

شارك المقال