الانهيار المحتوم

لينا دوغان
لينا دوغان

لا يمكن للبنان أن ينفصل عما يجري في المنطقة خصوصاً ما يحصل في غزة، على الرغم من أن “حزب الله” يعتبر نفسه دخل الحرب في ٨ تشرين، الا أن الأمور حتى الآن لا زالت ضمن قواعد الاشتباك وإن خرج عنها الطرفان من وقت الى آخر.

لكن مشكلة لبنان ليست في موضوع غزة، والخوف عليه مما يمكن أن يحدث له لو أن الأمور تدحرجت، ليس في بال أحد من المسؤولين، لأنهم ذهبوا باتجاهات داخلية أخرى تأخذ البلاد الى مزيد من التشجنات والفوضى والانحلال الاقتصادي، فمن تأجيل التسريح الى التعيين الى موازنة ٢٠٢٤، عادت هذه الأمور وذكرت الناس بواقعهم الأليم الذي يعيشونه، وأعادت الى أذهانهم فكرة أن لا حلول للوضع الراهن خصوصاً في ملف رئاسة الجمهورية، وأنهم ماضون الى الأسوأ الذي ينتظرهم.

أقوال الرئيس السابق ميشال عون عن قائد الجيش جوزيف عون، كافية وحدها لتبيان ما يحضر له “التيار الوطني الحر” في هذا الموضوع، كأن يقول مثلاً: “لو بقي حدّي قائد الجيش كنت عملتو رئيس”، و”على جثتي ما بيتمدّد لقائد الجيش”، جملتان تعبّران بصورة واضحة عما يسعى اليه جبران باسيل وهو ما تظهر بعد لقائه الرئيس نجيب ميقاتي، تعيين قائد جديد للجيش، في غياب رئيس الجمهورية، مقابل عودة وزراء التيار إلى الحكومة التي يعتبرها باسيل فاقدة للشرعية الدستورية.

الفراغ في قيادة الجيش يرفضه الجميع، لكن الحل لا يوحدهم، فبينما يرى القسم الأكبر من الفرقاء وعلى رأسهم البطريرك بشارة الراعي أن التمديد لقائد الجيش هو الحل الأنسب خصوصاً بعد خسارة معركة المصرف المركزي وفي ظل الفراغ الرئاسي، يطل باسيل برأسه، رافضاً التمديد الأمر الذي يتماهى به مع “حزب الله” الذي لا يريد أن يحشر باسيل، وبهذا يسعى إلى إعادة وصل ما انقطع مع رئيس التيار، لا سيما أنه بحاجة إليه في الفترة المقبلة، وتحديداً إذا تطورت الأوضاع على الجبهة الجنوبية، أو كما يقال في الكواليس إن باسيل هو من يضغط على الحزب لجهة تركه في هذه المرحلة من دون غطاء مسيحي.

وبين التمديد والتعيين يلعب باسيل كعادته على التناقضات، فبعد أن تراجع عن خياره تسليم قيادة الجيش إلى الضابط الأعلى رتبة، طلب من وزير الدفاع إعداد اقتراح لتعيين قائد ماروني جديد للجيش هو مدير المخابرات العميد طوني قهوجي محاولاً إرضاء بكركي من جهة، ومن جهة ثانية ارضاء وليد جنبلاط الذي اقترح اسماً لهيئة الأركان بتعيين رئيس درزي، وأخيراً إرضاء الثنائي الشيعي بتعيين مدير شيعي للادارة في الجيش، كل ذلك لقطع الطريق على جوزيف عون في موضوع رئاسة الجمهورية وأيضاً لأسباب وحسابات شخصية.

وعلى المسار الانهياري نفسه، سلكت موازنة ٢٠٢٤ طريقها الى مجلس النواب بعد أن أقرها مجلس الوزراء، واللافت فيها أن جزءاً كبيراً من إيرادات الموازنة ستتم جبايته بالدولار، وهذا الأمر أخاف الناس كثيراً ودفع بالخبراء الاقتصاديين الى التحذير من هذه الخطوة التي ستؤدي إلى زيادة في معدلات الفقر والجوع والبطالة، وبالتالي انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، كما انتقدوا غياب الخطط الشاملة والرؤى الاقتصادية الواضحة، معتبرين أن المسؤولين في لبنان يواصلون سياسة الاستغناء عن الليرة ورفع الضرائب.

اذا كانت الموازنة تلحظ توحيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والتخلص من الأسعار الثلاثة الموجودة بالحد الأدنى لصرف الليرة، وهي أحد الشروط المسبقة لحصول لبنان على قرض من صندوق النقد الدولي، فعلى لجنة المال والموازنة القيام بعملها لرفض الضرائب المفروضة بما يتناسب مع الدخل والأجور لكي لا تصيب هذه الضرائب الفقراء فقط وتزداد الأوضاع سوءاً، فإن موضوع قيادة الجيش والجدل الدائر حوله يجب أن يجد طريقه الى الحل قبل ١٠ كانون الثاني، علّ باسيل يتوقف عن المزايدة بحقوق المسيحيين وهو الذي يرفض وتياره، الانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي بدوره له الدور الأول في تعيين قائد الجيش، وهذا ما توافق عليه الجميع بعد اتفاق الطائف.

منذ بداية حرب غزة انشغل اللبنانيون متأثرين بما يشاهدونه من اجرام، كما انقسموا بين مؤيدين للكوفية ومعارضين لها، لكن ما وحدهم هو الخوف من وصول هذه الحرب الى بلدهم، فهم في غنى عنها ولا يتحملون مزيداً من التدهور إن كان على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، ويكتفون بما يعيشونه إن كان في السياسة أو في الاقتصاد وينظرون بقلق الى مستقبلهم ومستقبل أولادهم، في بلد لا يتفق فيه مسؤولوه سوى على حصصهم ومصالحهم الخاصة مع يقينهم بأن انهيار البلد واقع لا محالة.

شارك المقال