ماذا لو سقط التمديد والتعيين؟

صلاح تقي الدين

يبدو أن مسألة إيجاد حل قانوني ودستوري لمشكلة الفراغ المحتمل في قيادة الجيش بعد إحالة قائده العماد جوزيف عون على التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل، تواجه مشكلات تقنية وسياسية، ليس أقلها الحرم الكنسي الذي رفعه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، والاعتراض المستميت لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي رمى بكل ثقله السياسي في وجه التمديد للقائد الحالي، ناهيك عن الموانع القانونية التي تجعل من أي اقتراح أكان بالتعيين أو بالتمديد يجب أن يمر حكماً بوزير الدفاع الوطني العميد المتقاعد موريس سليم.

وإذا كانت مسألة تأجيل تسريح العماد عون أدت الى أن تسلك طريقها في مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت الأسبوع الماضي، غير أن التعقيدات “التقنية” أرجأت البت فيها ومن المنتظر أن يعاد طرح الموضوع في جلسة تعقد الأسبوع الحالي بعدما قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تكليف وزير البيئة ناصر ياسين تقديم الطرح والاستناد إلى الدراسة القانونية التي أعدها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية حول قانونية تأجيل تسريح قائد الجيش.

غير أن موقفين سياسيين يعرقلان مثل هذا الطرح، الأول يتمثل في المعارضة المطلقة لرئيس “التيار الوطني الحر” للتمديد أو تأجيل تسريح عون، وميل “حزب الله” عبر ممثليه في الحكومة إلى مسايرة “الحليف اللدود” وعدم القبول بهذ الطرح، ما يجعل انعقاد الجسة الحكومية وتأمين نصابها في مهب الريح.

والموقف المضاد كان ذلك الذي أطلقه بلهجة عالية البطريرك الراعي الذي يرفض المس برأس هرم المؤسسة العسكرية بالمطلق، ويدعو إلى عدم تعيين بديل عن العماد عون في غياب رئيس الجمهورية أولاً، وثانياً لعدم خلق حالة من عدم الاستقرار في داخل المؤسسة في هذا الوقت العصيب الذي يحتاج أكثر ما يحتاجه إلى استقرار في هرمية الجيش خصوصاً مع العماد عون “المجرب”.

لكن النائب باسيل قدمّ على ما قال لكاتب هذه السطور اقتراحاً بتعيين قائد للجيش بالوكالة لفترة سنة وملء الشغور في مجلس القيادة عبر تعيين رئيس للأركان ومدير عام للادارة، وبذلك يتم تفادي تعيين قائد للجيش في غياب رئيس الجمهورية الذي يقتضي العرف أن تكون له الكلمة الفصل في اختياره.

ويقول باسيل إن طرحه هذا يشكل مخرجاً قانونياً ودستورياً ويمكن للحكومة أن تقره بناء على اقتراح وزير الدفاع لكن عبر مرسوم جوال يحمل توقيع الوزراء الـ 24 على غرار ما كان يتم في حكومة الرئيس تمام سلام عقب الشغور الرئاسي الذي بدأ مع نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال سليمان.

وإذا كان يمكن اعتبار طرح النائب باسيل مخرجاً منطقياً، إلا أن المعارضة القوية للبطريرك الماروني كما عدم القبول الضمني من الرئيس ميقاتي لمسألة المرسوم الجوال، قد يجعلان من اقتراح باسيل، مادة سجالية جديدة تضاف إلى السجالات الكثيرة القائمة بين الحكومة من جهة، و”التيار الوطني الحر” عبر نوابه ورئيسه من جهة أخرى.

غير أن محور المأزق وفقاً لمصادر قانونية، هو أنه بموجب القانون يجب على أي اقتراح أكان التمديد لقائد الجيش أو تأجيل تسريحه أو تعيين قائد جديد أو حتى ملء الشغور في المجلس العسكري، أن يمر عبر وزير الدفاع حتماً، والوزير الحالي المحسوب على “التيار الوطني الحر” لم يقدم أي اقتراح لغاية اليوم، وهو لم يفعل حتى حين انتهت خدمة الرئيس السابق للأركان اللواء أمين العرم.

وتقول المصادر لموقع “لبنان الكبير”: في جميع الأحوال، وفي ظل مقاطعة التيار الوطني الحر لجلسات الحكومة، من المستبعد أن يقدّم وزير الدفاع أي اقتراح بهذا المعنى، ولذلك فإن الكرة هي في ملعب المجلس النيابي ورئيسه نبيه بري بالتحديد.

وكانت كتلة نواب “القوات اللبنانية” تقدمت باقتراح قانون لرفع سن التقاعد بالنسبة الى الضباط من رتبة لواء وعماد، ما يعني أن يتأجل تسريح العماد عون، لكن الرئيس بري كان واضحاً بأنه يريد لكي يحيل هذا الاقتراح على الهيئة العامة لمجلس النواب، أن يكون من ضمن سلة مشاريع قوانين أخرى وأن يتم الاعتراف بحق المجلس في التشريع بغياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال.

فإذا كانت الكرة فعلاً بحسب المصادر في ملعب رئيس مجلس النواب، على “القوات اللبنانية” المعارضة أصلاً للتشريع أن تعلن قبولها بانعقاد المجلس في جلسة تشريعية، وهي التي أعلنت مراراً عدم قانونية جلسات كهذه.

وأمام هذا التعقيد التقني والسياسي، هل يطير تمديد خدمة العماد عون أو يضاف إلى لائحة المراكز الشاغرة مركز قائد الجيش؟ وإذا لم يقبل رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع الاعتراف بشرعية جلسات مجلس النواب لاقرار القوانين المحالة على الهيئة العامة، وإذا لم يمر اقتراح النائب جبران باسيل بتعيين قائد للجيش بالوكالة، فإن البلد مقبل فعلاً على أزمة تجعل من آخر مؤسسات الدولة أمام خطر الانهيار وعندها لا ينفع الندم.

شارك المقال