التمديد لقائد الجيش… الصلاحية للحكومة ولا يمكن التشريع A la carte

محمد شمس الدين

الفراغ هو رأس الدولة منذ أكثر من سنة، لذا من الطبيعي جداً أن ينعكس هذا الأمر على المناصب الأخرى، بدءاً بالأمن العام، مروراً بحاكمية مصرف لبنان وصولاً إلى قيادة الجيش اليوم، وفي بداية السنة قيادة قوى الأمن الداخلي.

والمشكلة هي نفسها كما في رئاسة الجمهورية، لا توافق بين القوى السياسية على الشخص، ولا على الآلية، علماً أن هناك عرفاً في قيادة الجيش، أن يكون اختيار القائد عبر رئاسة الجمهورية، وفي ظل هذا الغياب، هناك رفض للتعيين اليوم، بينما “التيار الوطني الحر” الذي يحمل لواء “صلاحيات رئيس الجمهورية” يريد التعيين، ويرفض التمديد، ولعل الأمر متعلق بحسابات سياسية في رئاسة الجمهورية، إن كمحاولة لضرب حظوظ العماد جوزيف عون في الرئاسة، أو حتى محاصرة أي رئيس جمهورية مقبل، بتعيينات أمنية ومالية تسبقه، وقد غيّر التيار رأيه في مسألة شرعية الحكومة، وأصبحت شرعية لتقر التعيين.

وقد استطاع التيار جر حليفه “حزب الله” إلى الرأي نفسه في هذه المسألة، ليس من باب الاقتناع بل من باب تحسين العلاقة التي اهتزت في آخر سنتين، فيما يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ميال إلى التمديد، إلا أن ما يهمه في الأمر هو منع الفراغ في قيادة الجيش، وفي الوقت نفسه لا يفضّل أن يكون الملف بيد مجلس النواب، كونه من صلاحية الحكومة أولاً.

وبالنسبة الى التقليد أو العرف أن رئيس الجمهورية يختار قائد الجيش، يؤكد النائب السابق غسان مخيبر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “هذا الأمر من قبل الطائف، وهناك مجموعة من الوظائف تشكل مفاصل إدارة البلد، كانت من حصة رئيس الجمهورية، أما الطائف فقد كرّس فكرة المداورة، مع نفحة مضمرة من هذا العرف بالممارسة وليس بالنص الدستوري”، معتبراً أنها “تحولت إلى محاصصة بين زعماء الأحزاب، الذي هم زعماء الطوائف، وتقاسموا حصص الفئة الأولى”.

أما دستورياً فيوضح الوزير السابق طلال المرعبي أن “وزير الدفاع هو من يحق له تأجيل التسريح، وإن كان رافضاً للأمر فلن يكون الموضوع سهلاً”، قائلاً: “يبدو أن هناك بحثاً جارياً في أنسب طريقة لإخراج الموضوع، ولكن مبدئياً وزير الدفاع هو صاحب الصلاحية، كما حصل مع القائد السابق جان قهوجي، وليس بالسهولة يمكن تخطيه في مجلس الوزراء. أما عن مجلس النواب، فهو سيد نفسه ويستطيع أن يشرّع القوانين كيفما يريد”.

ويشير إلى أن “مشاريع القوانين لا تأتي لشخص محدد بل تكون عامة، علماً أن القوانين والدستور في لبنان أصبحت تفسر وفقاً لمزاج السياسيين”.

ويؤكد المرعبي أن “النصاب النيابي لمشروع قانون كهذا يكون 65 والتصويت بالنصف زائد واحد، أي يمكن لـ 33 نائباً أن يقروا القانون”.

وموضوع النصاب يؤكده أيضاً أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية د. حسين عبيد، الذي أسهب أكثر في الكلام الدستوري، موضحاً أن المصلحة العليا العامة، تقتضي أحياناً استثناءات، لا سيما أن هناك فراغاً في قيادة الأركان. ويشدد في حديثه لـ “لبنان الكبير” على أن “الملف هو من اختصاص السلطة التنفيذية، وإذا تعذرت لأي سبب كان يمكن أن يحول الملف الى مجلس النواب، علماً أن الرئيس بري لم يقم بهذا الأمر في ما خص الأمن العام، وهو لا يريد أن يرمى الأمر على عاتق المجلس النيابي، إلا في حال تم اقتراح قانون تمديد أو تأجيل تسريح كل القادة، الذين هم عادة من رتبة مقدم وما فوق، لأن القانون يجب أن يكون عاماً وليس خاصاً، ويجب صياغة مشروع القانون بحكمة”.

ويلفت عبيد إلى أن “الحكومة يمكنها أن تؤجل التسريح في هذه الظروف وفق قانون الدفاع، ولكن بسبب التجاذبات داخل مجلس الوزراء، نتيجة رأي العونيين بالتعيين يصعب ذلك، ويبدو أن البطريرك الماروني بشارة الراعي يرفض أيضاً فكرة التعيين، كون العرف يقضي بأن يختار رئيس الجمهورية قائد الجيش”. ويرى أن “التمديد هو أفضل حل كي لا يتم استفزاز أحد، فيمكن أن يؤجل التسريح لمدة سنة نتيجة الظروف، مع التشديد على وجوب أن يكون عاماً وليس خاصاً، كما تقتضي الأصول التشريعية”.

لم يمرر رئيس مجلس النواب التمديد أو التعيين في قيادة الأمن العام، ولا في حاكمية مصرف لبنان أيضاً، ويفضّل أن تحل هذه الملفات كما قيادة الجيش في الحكومة، إلا أن الأمر هذه المرة يبدو كارثياً على البلد في المؤسسة الأمنية الأولى، وقد يقبل ولو مع بعض التحفظ بتمرير ملف قيادة الجيش في مجلس النواب بسبب عجز الحكومة عن الأمر، والمشكلة الأساس هي في أجندات بعض القوى السياسية، الذي يضع مصالحه فوق أي اعتبار، حتى لو كان الأمر يضر بالبلد ومواطنيه.

شارك المقال