لماذا يغتال الاحتلال الصحافيين؟

زاهر أبو حمدة

تاريخياً، قُتل شعراء كُثر بسبب ما قالوه أو نقلوه أو وثقوه بكلماتهم. كان الشعراء هم صُنّاع الرأي العام، لذلك كان على الحاكم أن يشتري ودَهم لمدحه، وإذا هجوه قتلهم. هذا ليس عندنا كعرب إنما في كل العالم، وإذا لم يكن شاعراً كان حكواتياً يسجل أخباراً وقصصاً وينقلها للعامة. هذا في وقت السلم، إنما في الحروب فالشاعر هو التعبوي الأول وصاحب البيانات والبلاغات العسكرية، وكم من شاعر وثق ما حصل قبل المعركة وفيها وبعدها فخلدها التاريخ. وإذا نال العدو من الشاعر حينها في المعركة يعني أنه قضى على صوت المعركة والناطق باسم الجيش أي وزير الاعلام مثلاً.

ومع التطور البشري، استحدثت مهنة جديدة ومطلوبة هي الصحافة، ودخلت التكنولوجيا على أدواتها، فتحول الصحافي إلى الشاعر لكن بقوالب مختلفة، وتنبهت الجيوش إلى أهمية الاعلام وبلغات مختلفة. لذلك، سنجد أن الدول الاستعمارية كلها لديها وسائل إعلامية مهمتها الدعاية السياسية والتأثير على الرأي العام في المستعمرات. ومن أهمية هذه الوسائل، أن المواطن العربي كان يستمع الى أخبار بلاده عبر إذاعة لندن أو مونت كارلو وغيرهما حسب المُستعمِر والمستعمَر. ولعبت وسائل الاعلام دورها في تحطيم المعنويات أو رفعها، وعلى ذلك شواهد كثيرة في التاريخ الحديث والمعاصر، تحت مبدأ: الحرب الاعلامية هي نصف الحرب ومن يربحها ربح المعركة. وعليه شكلت وسائل الاعلام مشكلة للغازي، من الناحية العسكرية أولاً ومن ثم الروح المعنوية ونقل الأخبار غير المسيطر عليها. لذلك قُتل طارق أيوب في العراق على سبيل المثال، وفي كل عدوان إسرائيلي يستهدف الصحافيون والمؤسسات الاعلامية بالقصف أو الاغلاق.

صحيح أن هذا العدوان على غزة، شهد أعلى ارتكاب للمجازر والقتل للصحافيين ووصل عددهم إلى أكثر من 70 وفي لبنان إلى أربعة، إلا أن لذلك أهدافاً أساسية تخدم الخطة العسكرية للاحتلال.

الهدف الأساس هو تفريغ مسرح العمليات من الكاميرات والمراسلين، لأنهم باختصار سينقلون الجرائم والأهم أنهم ربما يوثقون هزيمة ما. هذا حدث مع الزميلة شيرين أبو عاقلة في جنين، وبعدها حصل اجتياح المدينة والمخيم. أما اغتيال الزملاء في قناة “الميادين” فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل، فتفريغ الجبهة من الصورة يمهد لما هو أكبر. والاغتيال هو إرهاب ممنهج وعملية تخويف واضحة لكل الصحافيين كي لا يتقدموا لتغطية الحدث أو ما سيحدث.

والأخطر هو بث الرعب في قلوب الناس ووسائل الاعلام، أي أن من لديه حصانة قانونية مستهدف فما بالكم بعموم المواطنين؟ وهذا ينطبق على مهن أخرى أممية وطبية وصحية. وهناك هدف لا يمكن أن يقوله الاحتلال، لكنه واضح جداً: الانتقام من الصحافيين. وإذا لم يكن الصحافي مردوعاً بنظرهم فيجب أن يدفع الثمن المباشر عبر اغتياله أو اغتيال عائلته.

يعتمد جيش الاحتلال على توصيات وحدة “مالات” التابعة لوزارة الأمن، ومن مهماتها قيادة الحرب النفسية والاعلامية في وقت السلم والحرب والترويج لصورة الدولة والجيش. وتستند إلى تجارب علم النفس ومدارسه المختلفة لتطبيقها وتحليل بيانات خاصة ومراقبة وسائل الاعلام والرد على كل الدعايات المعادية وبناء سردية خاصة يقولها يومياً المتحدث باسم الجيش. وتعود خطورة الوحدة إلى أنها جزء من جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، وغالبية نشاطاتها سرية. أما المعروف عنها فهو أنها المسؤولة عن المنشورات الدعائية أثناء الحروب، وإنشاء مواقع الكترونية وحسابات رقمية تتقمص هوية بعض الجهات. وحسب صحيفة “معاريف” الاسرائيلية، تستغل الوحدة الخلافات في المجتمع الفلسطيني والعربي وتعمل على تسعيرها، “من أجل تسريع وتيرة عمليات مرغوبة لاسرائيل”. كما تنشر أخباراً وقصصاً في الصحف لتحقيق أهداف معنية، من بينها مضاعفة قدرتها على الردع. ويبقى الأخطر هو تحويل الاغتيال الى أداة لإسكات صحافي أو مؤسسة تعتبرها “تشوش” على عمل الجيش. ويبدو أن “مالات” أوصت بقتل صحافيين وإغلاق مكاتب وقصف مقرات إعلامية، وهذا ما حصل مع قناة “الميادين” ومراسليها.

شارك المقال