في اليوم العالمي للتلفزيون… الاعلام مشروع شهادة على يد إسرائيل

عبدالرحمن قنديل

في يومي 21 و22 تشرين الثاني من العام 1996، عقدت الأمم المتحدة أول منتدى عالمي للتلفزيون، لمناقشة الأهمية المتزايدة له في العالم المتغير وللنظر في كيفية تعزيز التعاون المتبادل. وقررت الجمعية العامة اعتبار يوم 22 تشرين الثاني يوماً عالمياً للتلفزيون، احتفالاً بذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي له، وجاء هذا الحدث بوصفه اعترافاً بالتأثير المتزايد للتلفزيون في عملية صنع القرار، أي الاعتراف به كوسيلة أساسية في إيصال المعلومة إلى الرأي العام والتأثير فيه، خصوصاً في السياسة العالمية وحضوره فيها وتأثيره في مجرياتها.

لا يزال التلفزيون أكبر مورد للمواد المصورة، على الرغم من أن استخدام شاشات بأحجام مختلفة مكنت الناس من إنشاء محتوى ونشره ومطالعته على منصات مختلفة، إلا أن عدد المنازل التي تقتني أجهزة تلفزة يزيد يوماً بعد يوم، ويتيح التفاعل بين وسائط البث الناشئة والتقليدية فرصاً لإذكاء الوعي بالقضايا المهمة التي تواجه مجتمعاتنا، وهذا ما أصبحنا نشاهده مؤخراً مع تمادي إسرائيل في إستهدافها للصحافيين الذين يمارسون مهنتهم في نقل الصورة الى المشاهدين من قلب الحدث، وكان آخر من طاولته يد الاجرام الاسرائيلية المراسلة في قناة “الميادين” فرح عمر مع المصور ربيع المعماري.

وعلى صعيد الجبهة الجنوبية، فإن عمر والمعماري ليسا أول ضحايا هذا الاجرام، فالمصور في وكالة “رويترز” عصام عبد الله سبقهما بإستشهاده مع إصابة ستة آخرين بينهم مصوران صحافيان من وكالة “فرانس برس” أثناء تعرض مجموعة من الصحافيين للاستهداف بقذيفتين إسرائيلتين في جنوب لبنان منتصف تشرين الأول الماضي، فضلاً عن نقطة للصحافيين المتمركزين في بلدة يارون الحدودية لم تسلم من تعرضها للاستهداف ولكن لحسن الحظ لم يتسبب بأي إصابات.

أما على صعيد ما يحدث في غزة، فتبدو السلطات الاسرائيلية ماضية قدماً في فرض تعتيم إعلامي حقيقي وشامل على قطاع غزة بأكمله، حيث تؤدي التدابير والاجراءات المُتَّخذة إلى تقويض عمل الصحافيين المحليين وتؤثر سلباً على أُسرهم، سواء تَعلَّق الأمر بالحصار المفروض منذ فترة طويلة على المنطقة وأهاليها، والذي تم تشديده في الآونة الأخيرة، أو بالتشريد القسري الذي يطال المدنيين هذه الأيام، فخلال الأسبوع الدموي الذي أعقب “الطوفان”، قُتل 10 صحافيين أثناء تغطيتهم الأحداث الجارية، من بينهم 8 في غزة، علماً أن معظمهم إن لم يكونوا جميعهم لقوا حتفهم تحت القصف الاسرائيلي، وكان آخرهم الصحافي محمد بعلوشة، مدير قناة “فلسطين اليوم”، الذي قُتل جرَّاء غارة استهدفت منزله في 17 تشرين الأول، فضلاً عن تدمير المباني التابعة لمؤسسات إعلامية في غزة تدميراً كاملاً أو جزئياً نتيجة الغارات الاسرائيلية على غزة.

اعتبرت المراسلة في قناة “الحدث” ناهد يوسف في حديث لـ”لبنان الكبير” أن إستهداف مراسلة قناة “الميادين” فرح عمر هو إستهداف للصحافة عمداً ولم يكن عشوائياً وقد أحدث خضة لكل الصحافيين، وهو خبر مزعج مثل خبر الاستشهاد الأول للصحافي عصام عبد الله وهذا إستهداف واضح للصحافة.

وأشارت إلى أن هذا الأمر ليس مستغرباً على إسرائيل أن تفعل ذلك باعتبارها تقصف المستشفيات وترتكب كل تلك المجازر التي يشاهدها الجميع، فليس غريباً أن تستهدف الصحافة كونها باتت تشكل عبئاً ثقيلاً يوجعها إن كان على صعيد لبنان أو غزة.

ولفتت يوسف إلى أن “هذه ليست المرة الأولى اذ سبق لنا كمراسلين أن تعرضنا للأمر نفسه ضمن الجولة الاعلامية في منطقة يارون واستهدفنا، وكان من الواضح حينها أننا صحافيون ولم يكن الاستهداف عشوائيّاً ربما نجونا جميعاً لحسن الحظ، لكن غيرنا لم ينجُ على الرغم من أننا كنا مرتدين الخوذ والدروع التي تشير الى أننا صحافيون وسيارة النقل المباشر كانت حاضرة”.

وقالت: “من الواضح أن الاستهدافات هي مباشرة للاعلام لإسكات صوته من خلال محاولات إرعاب الاعلاميين، ولكن يجب علينا أن نكون مسؤولين لكي لا نصبح في يوم من الأيام خبراً وأن نكون موجودين لكي يبقى من يخبر عن الذي يحدث وما تفعله إسرائيل، لهذا السبب نحن موجودون ومستمرون، وعلينا أن نحمي أنفسنا قدر المستطاع وتجنب المخاطر ونقل المعلومة وأن نكون متوازنين لأن هذا الاستهداف واضح للصحافة ومن الممكن أن يتكرر”.

أما المراسلة في قناة “الجديد” ريف عقيل فأعربت عن حزنها بسبب إستهداف عمر والمعماري، معتبرة أن “من المؤذي جداً أن تستهدف صبية في بداية تجربتها الصحافية بهذه الطريقة عن سابق قرار وتصميم”.

أضافت: “من الواضح أن إسرائيل أصبحت في مرحلة الجنون وفقدان الصواب، لأنها لم تكترث لقتلها 11000 مدني و4000 طفل في غزة فضلاً عن باقي الجرائم التي لا تزال ترتكبها حتى هذه اللحظة ومن بينها الاعتداء على الاعلاميين وإستهدافهم”.

وأشارت إلى أن “هناك عدواً بات يحلل قتل الصحافيين ويقمعهم إما من خلال إجبارهم على عدم الاقتراب من نقاط معينة أو عدم ابراز ما يقدمونه الى الاعلام”، مؤكدة أن الصحافيين سيستمرون في تأدية واجباتهم على جبهة الجنوب على الرغم من اجرام اسرائيل الذي تعتمده تجاه الصحافيين الذين لم يتوقفوا عن تأدية هذا الواجب.

وكأن “قتلهم حلال” هكذا أصبح الاسرائيليون يتعاملون مع الاعلاميين سواء على صعيد الجبهة الجنوبية أو على صعيد العدوان على غزة، مع إستمرار حرب الابادة على القطاع وأهله التي كشفت وجه إسرائيل الاجرامي للعالم بأسره، لأنه لا يميز بين المدنيين كباراً وصغاراً ولا يستثني الصحافيين الذين لا ذنب لهم سوى ممارسة مهنتهم في نقل الحدث كما حصل في الجنوب، وكأنهم باتوا هدفاً أساسياً ومشروع “شهادة” مثلهم مثل أي ضحية لوحشية إسرائيل.

شارك المقال