شهداء طرابلسيون على تراب الجنوب… وروايات تُلاحق “طريق القدس”!

إسراء ديب
إسراء ديب

يأبى أهالي مدينة طرابلس أن تمرّ عملية “طوفان الأقصى” التي بدأت منذ السابع من تشرين الأول، من دون تقديمهم شهداء رغبوا في تقديم المساعدة أو الدعم للقضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال “البوصلة” الوحيدة التي تجمع أبناء المدينة مع غيرهم من مناصري هذه القضية التي لطالما كانت تستفزّهم وتدفعهم إلى الخروج عن دائرة الخلافات المحلّية انتقالاً إلى قضية القومية العربيّة.

على تراب الجنوب الذي يشهد بدماء أصحابه على الجرح الذي ألحقه العدو بهم، استشهد ثلاثة من أبناء طرابلس يوم الثلاثاء الماضي، والذي يُمكن تسميته بـ “الثلاثاء الأسود”، أو “اليوم الدموي” الذي يأتي استكمالاً لاستراتيجية يُنفذها العدو في فلسطين وعلى نطاق أصغر في لبنان، وهي قائمة على تشريد الشعوب وإبادتها، وكانت بلغت أشدّها يوم الثلاثاء الذي أحدث صدمة كبيرة في المدينة التي لم تتوقّع تلقّيها هذه الأخبار الأليمة، ما أدّى إلى إشعال سمائها بالرصاص الطائش الذي أغضب الطرابلسيين وأشعرهم بخوف شديد من هذا الأسلوب الذي كانت حرّمته دار الفتوى في طرابلس والشمال شرعياً عام 2021.

وبعد صدمة عاشتها المدينة عقب استشهاد مصوّر “الميادين” ربيع المعماري ابن طرابلس – البداوي على يدّ قوات الاحتلال، استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة مدنية في منطقة الشعيتية قضاء صور، تبيّن لاحقاً أنّها كانت تضمّ القياديّ في “كتائب القسام” خليل الخراز (أبو خالد)، مع شبان آخرين وهم: الشيخ أحمد عوض – طرابلس (الملقّب بأبي بكر يعيش في الزاهرية – شارع منقارة، وهو إمام مساعد في مسجد التقوى، والمعروف بشخصيته التي أحبّها كلّ من عرفها، وكان قد وزّع الحلوى عند اندلاع أحداث الطوفان نصرة لغزة)، خلدون ميناوي (طرابلس – وعائلته معروفه بالتزامها الديني)، والشيخ سعيد ضناوي (فلسطيني وفق المعطيات).

وكانت حركة “حماس” – لبنان نعت القيادي الخراز الذي “استشهد مع مجموعة من إخوانه بغارة للاحتلال استهدفته في جنوب لبنان”.

كما أودت الغارة بحياة مواطنين تركيين هما بلال أوزتوك ويعقوب أردال في العملية نفسها، ولم تُحدّد المعطيات ما إذا كانا في سيارة القيادي أم في مركبة أخرى، لكن وفق المعلومات أنّ جميع الضحايا كانوا نقلوا إلى مستشفى الرسول الأعظم بغية إجراء فحوص الحمض النووي أيّ الـ DNA، التي لم تُجر للتركيين اللذين سيُدفنان في طرابلس أيضاً، لأنّه تمّ التعرّف عليهما مباشرة، ما يُشير إلى عدم وجودهما ضمن السيارة عينها التي شوّهت راكبيها بصورة كبيرة.

وتلّقت المدينة الفاجعة بصدمة واضحة وسط أجواء امتزجت بين الغضب والفخر، بحيث اعتبر أبناؤها أنّها عملية “استشهادية مشرّفة”، في حين ينفي الكثيرون أنْ تكون هذه العملية قد أحدثت تغيّراً في مواقف أبناء المدينة من “حزب الله” سياسياً وعقائدياً وفق ما نشر البعض، لذلك نشر العديد منهم مقطعاً مصوّراً قديماً لأبي بكر وهو يرفض سياسة “حزب الله” كلّياً في المدينة وغيرها، الأمر الذي أفسح للبعض الآخر مجالاً في الحديث عن عملية غدر وانتقام من الشيخ بسببه، وهذا ما ينفيه مصدر متابع لـ “لبنان الكبير”، معتبراً أنّ “العملية تصبّ في خانة الغدر الذي يرتكبه العدو”.

عن العملية

رافق العملية الكثير من المعلومات المغلوطة التي لا يمكن تأكيد أيّ منها، بحيث أشارت بعضها إلى أنّهم استشهدوا في سيارة قائد “حماس” التي بيّنتها بعض الصور، فيما لفتت معلومات أخرى إلى أنّهم استهدفوا في سيارة “الرابيد” التي كانوا فيها لا في المركبة التي ضرب فيها القائد، ولهذا السبب كان يتساءل الكثير من المواطنين عن سبب توجّه الشبان إلى الجنوب، كما يتساءل آخرون عن نوع “الجهاد” الذي تمّ تقديمه فداءً للقضية وغيرها من الأسئلة التي لم يجب عليها أحد إجابة “شافية”.

في السياق، يعتبر زياد علوكة (وهو متابع لهذه المعلومات، وكان قائد أحد محاور طرابلس سابقاً)، أنّ السبب الحقيقي حول كيفية توجه الشبان نحو الجنوب يبقى سرّياً لا يعرفه أحد، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “قدّموا أنفسهم فداءً لهذه القضية، وأنا أعرف أبي بكر جيّداً كان قلبه أبيض، ورعاً وزاهداً ومساعداً للنّاس، وأدرك أيضاً أنّ طرابلس ولّادة تُنتج زعامات وأبطالاً نصرة لأهلها في فلسطين، لذلك لا يُمكن وضع هذه العملية المشرّفة في أيّ خانة إلّا في خانة التضحية والاستشهاد، لأنّهم اتجهوا الى محاربة الصهاينة بنية خالصة لله، وفي هذه الظروف نقول ان الدمّ الفلسطيني واللبناني امتزج نصرة لقضية واحدة”.

وبعد ليلة حامية في طرابلس، يُؤكّد علوكة انخفاض مستوى التوتر فيها بصورة ملحوظة (ريثما تصل الجثث من الجنوب)، وأنّه تمّ تأخير تشييع شهدائها بسبب “تأخير صدور نتائج فحص الحمض النووي وتأجيلها لليوم التالي أيّ الخميس”، موضحاً “أننا سنستقبل الجثث في ساحة النور حيث سيُصلّى عليها لتوارى الثرى في جبانة باب التبانة، لذلك نتمنّى وصولاً إلى تلك اللحظة عدم إطلاق الرصاص أبداً لحماية المدنيين من جهة، ولكونه محرّماً من جهة ثانية”. فيما يلفت متابع آخر، إلى أنّ الجثامين سيُصلّى عليها في مسجد التقوى، وبالتالي فإنّ هذا التضارب في المعلومات ولو كان بسيطاً يدلّ على “التخبّط” الكبير الذي أحدثته هذه العملية.

لا تُخفي معطيات أنّ شباناً من طرابلس كانوا يشعرون بضرورة الانتماء إلى “كتائب القسام” أو تقديم أيّ مساعدة لها، في وقتٍ كانت تُشير أخرى إلى انضمام بعض الشبان إلى “قوات الفجر” منذ بداية “طوفان الأقصى”، لكن المستغرب أنّ معلومات جديدة كانت زعمت ضلوع رجال دين في إرسال شبان طرابلسيين إلى الجنوب لهذه الغاية، من هنا، يُجيب أحد رجال الدّين “لبنان الكبير” قائلاً: “لا نتبرّأ من أهلنا في غزة ولا من الشبان الذي استشهدوا بالتأكيد، لذلك نتمنّى أن يتقبّلهم الله من الشهداء”.

وفي حديثه الذي لم يُثبت فيه ضلوع رجال الدّين من عدمه في العملية، يُعطي الشيخ سيناريو جديداً يتحدّث عن كيفية وصول الشبان إلى الجنوب، فيُؤكّد أنهمّ “توجهوا للقاء بعض قادة حماس وعلى رأسهم الخراز الذي التقوا به مع غيره، وسألهم الشبان عمّا يُمكن أن تقدمه طرابلس من حاجات وخدمات لغزة”.

ويقول: “إنّ الأخ في حماس أيّ الخراز، أخذهم في جولة استطلاعية لرؤية المنطقة ولرصد حاجات الناس وكانت معهم مساعدات عينية ومالية، أمّا الخراز فكان بلا شكّ من المطلوبين، وعند وصولهم وبعد تعارف الإخوة، ركبوا في سيارة واحدة وتنقلوا من مكان إلى مكان، أيّ أنّهم كانوا في السيارة عينها حوالي 4 شبان بمرافقة الخراز، وتعرّضوا للاستشهاد عبر غارة إسرائيلية”.

ويقول مصدر مسؤول لـ “لبنان الكبير”: “في وقتٍ يغيب عنهم الدعم اللوجيستيّ في ظلّ إقفال الحدود، تبقى المعلومات غامضة عمّا كان يحدث، لكنّ نرفض زجّ المدينة في سيناريوهات مخيفة ومقلقة، إذْ يرى البعض أنّ الحزب قد يكون استهدفهم وهذا غير صحيح، أو أنّ إخبارية ما فتنت عليهم، وغيرها من الأحاديث التي من شأنها إثارة الفتنة والجدل في وقتٍ نحتاج فيه إلى التكاتف، لكن أشير الى أنّها ليست المرّة الأولى التي تقوم فيها طرابلس بمساعدة الفصائل الفلسطينية مادياً أو معنوياً لمناصرة القضية بشرف، لكن وفق معطياتي أنّ الخراز كان مستهدفاً مباشرة، لذلك قد تكون عملية تصفيته حدثت في وقتٍ كان يتجاوز فيه العدو حدوده بلا سقف، فمدّ يده لضرب صحافيين وتوسّع في ضرباته لقصف معمل في النبطية وغيرها من الأعمال التي تدلّ على استهدافه الداخل”.

شارك المقال