بين القاتل والمقاتل… الغزاويون هم الخاسر الأكبر!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

مع إنتهاء الموجة الأولى من الطوفان التي إستمرت 47 يوماً بإتفاق الهدنة “الانسانية” – بئس إنسانية كهذه – وفي جردة لحسابات الربح والخسارة – وهل هناك من أرباح في الحروب؟ – يبدو واضحاً وبعيداً عن الادعاءات الحماسية أو الانهزامية التي تنطلق من حسابات سياسية أو حزبية، أن “حماس” قد “نجحت” ولو مرحلياً في كسر هيبة الجيش الاسرائيلي وأجهزته الأمنية سواء في 7 تشرين الأول أو في مجريات الحرب اليومية حيث المقاومة شديدة خصوصاً في مواجهة الحرب البرية، كما نجحت في فرض عملية تبادل جزئي للأسرى والمخطوفين ولو بثمن غالٍ من الضحايا والدمار وتدمير لمقومات العيش في غزة، فضلاً عن غياب أي أفق سياسي لعملية “طوفان الأقصى”.

في المقابل، فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها المعلن وهو إطلاق سراح المختطفين من دون شروط والقضاء على حركة “حماس”، لكنها “نجحت” في إستباحة غزة جواً وبراً وبحراً في أقذر عملية إبادة وتطهير عرقي ومحرقة لا تختلف عن “الهولوكوست” التي يتخذون منها ذريعة لمظلوميتهم، إلا بالوسائل المتبعة في القتل، والمدى الزمني لها الذي يستمر في حالة الفلسطينيين منذ 75 عاماً، وذلك بعطف ودعم سياسي وعسكري أميركي وغربي عموماً، ما وضع مصير “حماس” وقطاع غزة على طاولة الجراحة في غرفة عمليات الحرب، والبحث الجدي لما بعدها.

هكذا تكون نتيجة الموجة الأولى من الطوفان – سياسياً وميدانياً – صموداً ودفاعاً حمساوياً قوياً قد يكون منع الهزيمة – حتى الآن على الأقل – لكنه في المقابل لم يحرز نصراً، وإندفاعاً عسكرياً وإستخباراتياً صهيونياً تمثَّل في إجتياح للمستشفيات وتدميرها بعد تفتيشها في تصرف جنوني وغبي أدى إلى فشل في عدم العثور على أي مخطوف فيها كما كان يتوهم، فشل لم يصل حد الهزيمة بالطبع لكنه أيضاً لم يأتِ بالنصر الموعود لعموم الصهاينة، ما وضع الطرفين المتقاتلين في مأزق جراء محاولتهما تلبية رغبات جمهورهما في “الانتقام والثأر” خصوصاً في ظل الخسائر الثقيلة التي تكبدها الطرفان كلٌ بحسب وضعه، الأمر الذي يحتِّم على ما يبدو موجة ثانية من “طوفان الدم” للأسف قد تكون أعنف من الموجة الأولى، مع ما تحمله من مخاطر على السلم والأمن الاقليميين وربما الدوليين فيما لو أقدم أي طرف على خطوة غير محسوبة أو خطأ ميداني غير مقصود ربما، لا سيما على حدودنا الجنوبية الملتهبة وإن كانت حتى الآن محكومة بقواعد الاشتباك المعمول بها مع بعض التجاوزات.

المؤسف أنه بإنتظار الموجة الثانية التي ستنطلق بنصف “إنتصار” حمساوي – إذا صح التعبير – ونصف “هزيمة” إسرائيلية، فإن المدنيين الغزاويين كانوا وسيكونون هم الخاسر الأكبر في هذه المبارزة، لأنهم يمثلون الحلقة الأضعف في المواجهة لا سيما بغياب أي سلطة تحميهم وترعى مصالحهم وتساعدهم حتى في دفن قتلاهم، هم الذين يتحملون إنسانياً ما تنوء الجبال بحمله بكل ما للكلمة من معنى، ما جعلهم كالأيتام على مائدة اللئام، وما أكثر اللئام في هذا العالم المنافق المجرم، سواء القريب العاجز منه، أو البعيد المعادي والقادر لكنه غير الراغب في حل عادل ودائم ومقبول للمسألة الفلسطينية، يوفِّر على المنطقة والعالم مآسي جديدة، ويعيد له بعضاً من إنسانيته التي قضت في جزء كبير منها مع أطفال غزة وتحت أنقاض بيوتها، كما سقطت شعاراته كلها عن حقوق الانسان والمرأة والطفل وكل الأيام التي يخصصها زيفاً وإستعراضاً، فقط ليرضي نرجسيته ويقنع نفسه بأنه أدى قسطه للعلى.

شارك المقال