إسرائيل تخسر معركة غزة

حسناء بو حرفوش

هل تخسر إسرائيل في غزة؟ يبدو أن الخسارة لها شكل آخر بينما تغيب معالم أي نصر محتمل حسب قراءة لجون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. ووفقاً للتحليل، “يعدّ الجيش الاسرائيلي القوة القتالية الأكبر في الشرق الأوسط وهذا لا يعود الى الدعم الأميركي وحسب، ولكن أيضاً الى كل ما يتعلق بالجيش بدءاً من عقيدته وتنظيمه وتدريبه وحتى قيادته وأفراده. وعلى الرغم من أن غالبية النقاشات الدائرة حول الحرب في غزة تفترض أن إسرائيل هي التي ستنتصر في نهاية المطاف، إلا أن المخاطر التي تواجهها هائلة، وتطرح الأسئلة حول الاطار الزمني لأي انتصار وتكلفته. ومع ذلك، قد تكون حرب غزة هي الحرب الأولى التي تخسرها إسرائيل في تاريخها.، وستكون هذه الخسارة كارثية بالنسبة اليها وتضر بشدة بالولايات المتحدة. ولهذا السبب على وجه التحديد، يجب أخذها في الاعتبار.

وتجنب الجيش الاسرائيلي إلى حد كبير التاريخ المتقلب الذي عرفته الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام، والتي سادت بعدها نتائج فيها الكثير من الغموض. وأنهى الجيش الأميركي اشتباكاته في لبنان والصومال وهايتي من دون تحقيق انتصارات واضحة، لكنها كانت على نطاق صغير. وكانت حروب ما بعد 11 أيلول في العراق وأفغانستان ومنطقة الحدود السورية – العراقية بمثابة جهود جادة بموارد جادة، لكن السنوات الطويلة من القتال ومليارات الدولارات وآلاف القتلى حالت دون تحقيق النصر.

ويزعم الاسرائيليون في بعض الأحيان بأنه لا مقارنة بين حروبهم وبين التصرفات الأميركية بعيدة المدى ويقولون إن إسرائيل ستفوز لأنه لا بد لها من ذلك. ولكن ما يهم حقاً هو مفهوم حماس للنصر العسكري، بحيث يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد. فحماس لا تختزل النصر بعام واحد أو بخمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ومن عزلة إسرائيل. في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن تجاوزات الجيش الاسرائيلي، ويندلع نقاش أميركي حول إسرائيل، ما يؤدي إلى تدمير الدعم الحزبي الذي تتمتع به منذ أوائل السبعينيات. إن التذمر من حرب إقليمية يناسب حماس تماماً، ويتلخص هدفها في إبعاد إسرائيل عن شركائها الدوليين وتحويلها إلى دولة منبوذة.

ولا تحتاج حماس الى القوة من أجل أن تتمكن من اتباع هذه الاستراتيجية؛ بل تحتاج فقط الى أن تكون ثابتة. فبدلاً من الاعتماد على القوة الكافية لهزيمة إسرائيل، تسعى بدلاً من ذلك الى استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمة إسرائيل نفسها. وتسمح قوة إسرائيل لها بقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وتحدي الدعوات العالمية الى ضبط النفس. كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية.

وتخطط حماس لخسارة سلسلة من المعارك كما حدث من قبل، لكن النجاحات غير المحتملة التي حققتها الحركة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر ستلهم أجيال المستقبل من الفلسطينيين الذين يعتزون حتى بالانتصارات الصغيرة ضد الصعاب المستحيلة. وتراهن إسرائيل على قدرتها على تصفية عدد كاف من مقاتلي حماس بالسرعة الكافية لتحقيق النصر، وسوف تقوم بفرز التفاصيل بعد ذلك. أما هدف حماس فهو التمسك بثبات بالطريق المسدود.

لذلك، ستسعى إسرائيل أولاً الى استعادة الدعم العالمي، وعندما تصل إلى حد السعي الى الانسحاب من غزة، وعلى الرغم من الادعاءات الأخيرة بأنها لن تسعى إلى ذلك، ستظل بحاجة الى هذا الدعم ولمن يموّل إعادة الإعمار. كما ستحتاج الى المساعدة في تنشيط السلطة الفلسطينية التي ظلت تتداعى منذ سنوات. كما ستسعى الى فصل حماس عن السكان المحيطين بها، والتأكد من أن أي تضامن فلسطيني ينشأ عن هذه الحرب يتمحور حول بديل قوي لحماس. وأمضى وزير الخارجية أنتوني بلينكن جولته في الشرق الأوسط وهو يروّج لهذه الأفكار وغيرها، لكن لا يبدو أنه حقق نجاحاً كبيراً بحيث أن إسرائيل في وضع قتالي إلى حد كبير. وإذا كانت تصريحاتها تشير إلى أي شيئ، فإلى أنها لم تفكر بما فيه الكفاية في أي شكل واضح لأي فوز”.

شارك المقال