روسيا تستغل الحرب في غزة لحجب الأنظار عن أوكرانيا

ساريا الجراح

حجب المشهد الفلسطيني الحروب الأخرى عن الأنظار، واحتلّ الصدارة بأقسى المشاهد الانسانية اليومية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً قط. فالأبصار شاخصة اليوم الى الأزمة الجديدة في الشرق الأوسط حيث تستخدم اسرائيل أعنف أساليبها لابادة الشعب الفلسطيني تاركة خلفها رماد أطفال انتهكت براءتهم، وأمهات ربّين أبناءهن على الصمود والعنفوان، ورجالاً لم يعرفوا معنى الهزيمة. ما يحصل في غزّة أكبر من الجميع، فالمؤامرات والاتفاقات سارية حتّى الرمق الأخير من المصالح باعتبارها القضية الجيوسياسيّة الساخنة في الوقت الراهن.

دخل 3000 مقاتل فلسطيني تابع لـ “حماس” الى العمق الاسرائيلي في غفلة من “الموساد”، وهذا الأمر يحتاج الى خطط متقدمة وأقمار صناعية وتكنولوجيا خارقة. هذا الدخول أثبت أن “حماس” ليست وحيدة وأن التدخل ليس إيرانياً وحسب، بل هناك طرف ثانٍ هو روسيا والهدف منه في بادئ الأمر هو حجب الأنظار عن أوكرانيا، ومن ثم نقل الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي الموجّه نحوها الى غزة، والدليل أن الولايات المتحدة اذا خيّرت بين أوكرانيا واسرائيل فستختار الأخيرة حتماً. ففي الوقت الذي لم يكن هناك خلاف بين الدولتين في الشرق الأوسط كانت أميركا تمد أوكرانيا بـ5000 قذيفة من نوع 855 يومياً، وسارعت مباشرة، حين شارفت الكميات على النفاد، الى سحب قذائفها المخزّنة في اسرائيل لمد أوكرانيا بها واستكمال الحرب حتى الرمق الأخير. ولم يقتصر الأمر على القذائف، بل احتاج الى ضبّاط وخبراء عسكريين يتم تدريبهم ليصبحوا مهيئين لدخول الحرب فاستعانت الولايات المتحدة بالجنود الاسرائيلين لمتابعة المواجهة في أوكرانيا. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم أين كان الجنود الاسرائيليون في الأيام الأربعة الأولى لعملية “طوفان الأقصى”؟

هناك احتمالية ترجّح أن الجيش الاسرائيلي كان في الداخل الأوكراني حين كان مقاتلو “حماس” يدخلون بحرية الى العمق الاسرائيلي، وذلك بقرار أميركي بحت. أما اقتصادياً فاحتياط الذخائر والأسلحة الاسرائيلية التي أودعتها أميركا بين أيديهم فاستهلكت في الداخل الأوكراني بخلاف ما هي عليه اليوم بحيث تشهد ركوداً واضحاً في حركة الصراع الداخلي، أي أن روسيا تواجه جبهة ثلاثية الأطراف أوكرانية – أميركية – اسرائيلية، والصراع الصناعي كان متجهاً أيضاً نحوها، فبعد نشوب الحرب بين اسرائيل وغزة انتقلت العين الأميركية الى هناك مباشرة بحيث استدعى الأمر أن يطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شراء الذخائر من أميركا على شكل قروض بدلاً من الهبات. وأصبح توازن القوى لصالح روسيا عوضاً عن أوكرانيا التي تدعمها القوى الأكبر في العالم.

هدنة الأربعة أيام

اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “لا سبيل لمساعدة الفلسطينيين إلا بقتال من يقفون وراء الصراع ” متوجهاً الى أميركا واسرائيل بالقول: “نحن نقاتلهم في أوكرانيا”. وأكد أن “مفتاح حل الصراع هو إقامة دولة فلسطينية”. اتفقت بعدها الدول على اقامة هدنة مدتها أربعة أيام، قابلة للتجديد، في أول خطوة فعلية نحو التهدئة في الحرب المستعرة منذ شهر ونصف الشهر.

إسرائيل تمنع أوروبا من تصدير الغاز

أهم أسباب حرب غزة هي منع اسرائيل من تصدير الغاز الى أوروبا والسبب أولوية تصدير روسيا الغاز اليها، ولكن بعد نشوب الحرب في أوكرانيا أغلقت روسيا خزّان الغاز في وجه أوروبا كورقة ضغط سياسية تحت ذريعة “الموت أو الخضوع”. هنا تفسح أميركا المجال أمامها لسبيل آخر لتزويد أوروبا بالغاز عبر دولة قطر، على خط قطر – سوريا – تركيا – أوروبا، ولكن الحرب السورية أضاعت المسعى القطري فاتخذت أميركا البديل الاسرائيلي خصوصاً بعد التنقيب في حقل كاريش والذي أسفر عن وجود غاز. وهنا كانت نهاية رحلة النفط التي سمحت لاسرائيل بتصدير الغاز الى أوروبا، ما أثار امتعاض الدولة الروسية، فدخلت في الحرب على غزة، لأن مصلحتها وقف الغاز عن أوروبا وهذا ما نشهده اليوم.

شارك المقال