رفيق الحريري… الرجل الذي أحب فلسطين

عاصم عبد الرحمن

قال أمين سر قيادة الساحة اللبنانية في حركة “فتح” وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات في 15 شباط 2017: “لطالما كانت فلسطين والقضية الفلسطينية في قلب رفيق الحريري وفي صلب اهتماماته”. وفي الذكرى الـ 18 لاغتياله، أصدرت قيادة الفصائل بياناً استذكرت فيه “مواقف الشهيد العروبية والثابتة والداعمة للقضايا العربية وفي مقدمها قضية فلسطين التي كانت دائماً حاضرة في عقله ووجدانه”. فإلى أي مدى أحبَّ رفيق الحريري فلسطين؟

في زمن القمم العربية والاسلامية والمؤتمرات الدولية والمبادرات الأممية التي فرض انعقادها العدوان الصهيوني على أطفال غزة ونسائها وشيوخها وهو ما أعاد القضية الفلسطينية إلى رأس لائحة الاهتمامات العالمية التي حاولت إسرائيل إزاحتها وطيّ قضيتها في أدراج النسيان، إلا أن “طوفان الأقصى” كان له كلام آخر فصنع تاريخاً بات محطة لما قبله وما بعده، يُفتقد بدر الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرجل الذي كان لا يهدأ من أجل القضية والوطن والانسان. وبعيداً من موقعه كرئيس للحكومة منذ العام 1992 وحتى العام 2004 وإمكاناته في حمل أم القضايا مالئة الدنيا وشاغلة الناس “القضية الفلسطينية” التي لطالما رفع شعاراتها وعاش هواجسها، إلى عواصم العالم من واشنطن إلى باريس مروراً بلندن وليس انتهاءً بالشرق الأقصى وإفريقيا والعالم العربي، رفيق الحريري لم يتزحزح يوماً قيد أنملة عن أحقية الفلسطينيين بالقدس عاصمة لهم ولنا، ولم ينفك يسلط الضوء من على منابر العالم على وحشية الآلة العسكرية الاسرائيلية التي لم تتوانَ عن نهش براعم فلسطين ونسائها وشبابها وشيوخها. لعب رفيق الحريري دوراً محورياً في مؤتمر القمة العربية التي أطلقت مبادرة السلام في العام 2002.

في 13 شباط 2023 نشرت الزميلة صحيفة “الشرق الأوسط” حواراً مع السيدة ليلى خالد عضو المجلس الوطني الفلسطيني وشريكة مسؤول المجال الخارجي في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” المناضل التاريخي الدكتور وديع حداد الذي قام باختطاف وزراء منظمة أوبك في فيينا، في خطف طائرتين عامَيْ 1969 و1970. ومما روته المناضلة الكبيرة ليلى خالد عن دور شاب لبناني هو ابن مدينة صيدا التي لا يمكن فصلها عن ربوع فلسطين التاريخ والثقافة والقضية، كان الطالب الجامعي رفيق الحريري الذي أقام مع خالد شقيق ليلى في السكن الطلابي العائد لجامعة بيروت العربية.

كشفت ليلى خالد في حوارها التاريخي عن تعاون رفيق الحريري أكثر من مرة مع “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” بهدف نقل سلاح إلى أوروبا من دون ذكرها للتفاصيل التي مكنته من إتمام العملية خلال عامَيْ 1970 و1971.

هو نفسه الشاب الجامعي الذي أزال شظايا القصف الاسرائيلي لمنزل المناضل وديع حداد، انتسب إلى حركة القوميين العرب كناشط وشارك في لجنة رأسها وديع حداد مهمتها تقديم تسهيلات لبعض أعضاء الحركة من أجل العثور على منازل للايجار وغيرها من الخدمات. قام رفيق الحريري بنقل منشورات الحركة سراً إلى أعضائها في سوريا عبر شاحنات الخضار التي كانت تنطلق من صيدا إلى المدن السورية.

وفي مطلع العام الجاري كشفت وثائق بريطانية سرية عن أن المملكة المتحدة حاولت لعب دور في المفاوضات على المسارين اللبناني والسوري مع إسرائيل أملاً في تحقيق السلام. ففي 17 تموز 1997 استقبل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير رئيس الوزراء اللبناني السابق (يومها) رفيق الحريري. وقد أظهر محضر الاجتماع أن الحريري كان يحمّل بوضوح رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك والحالي بنيامين نتنياهو مسؤولية عرقلة التقدم في محادثات السلام، معتبراً أنه يماطل ولا يريد ترك الضفة الغربية وغزة ويضع يده على القدس ويواصل النشاط الاستيطاني. وقد أشار إلى أن زعماء المغرب ومصر والأردن غاضبون فهم خاطروا من أجل تحقيق السلام وها هم ينتقدون اسرائيل لأنها تقوم بشيء ما غير صحيح. ويظهر المحضر بأن الحريري قال لبلير إن الإسرائيليين لا يعترفون بترابط مشكلات لبنان وسوريا وفلسطين ولا بد من أن تحل بصورة متوازية، مبدياً عتبه على الأميركيين الذين يدعمون إسرائيل سياسياً وعسكرياً وذلك تحت ضغط الرأي العام اليهودي، داعياً أوروبا والبريطانيين إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل إذ تبلغ نسبة التبادل التجاري في ما بينهم من 60% إلى 70%. ويختم الحريري حديثه مع بلير حول الصراع العربي – الإسرائيلي ساخراً من نتنياهو إذ قال إنه يمكن أن يكون شيئاً جيداً فقط لو نجح في تغيير صورة إسرائيل في العالم.

في 14 كانون الأول 1994 عُقد مؤتمر القمة الاسلامية في المغرب، وألقى أمامها الرئيس الشهيد رفيق الحريري كلمة قال فيها: “إنَّ مؤتمركم مؤتمن على تحرير القدس من الاحتلال الاسرائيلي وهذه أمانة في عنق جميع أعضاء دول المؤتمر الاسلامي، فقبل التحرير والسيادة لا مجال أبداً للسجال حول رعاية أو وصاية. إنَّ مؤتمركم مؤتمن على جوهر السلام المطلوب في منطقة الشرق الأوسط وهو الجوهر الذي نجد ترجمته في لبنان بالسلام العادل والشامل الذي يرتكز على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار 425 القاضي بانسحاب العدو الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة من دون قيد أو شرط. إنَّ على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت تريد العيش بسلام في المنطقة فما عليها سوى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، أما إذا أرادت أن تهيمن على المنطقة فالسلام بعيد جداً”.

وفي 23 آذار 1997 وأمام مؤتمر القمة الاسلامية الاستثنائي الذي عُقد في باكستان، ألقى رفيق الحريري كلمة دعا فيها “الدول الاسلامية إلى وقف فوري للتطبيع مع إسرائيل في كل المجالات، وإلى موقف عربي وإسلامي واحد في مواجهة السياسة الاسرائيلية المتمادية في تهويد القدس والتوسع الاستيطاني العدواني في الأراضي العربية المحتلة، هذه السياسة التي تُسقط عمداً فرص السلام لتحل مكانها دوامة العنف”. وشدد على ضرورة وقف التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، قائلاً: “إننا لا نجد في التبادل الاقتصادي بين الدول الاسلامية وإسرائيل أي منطق أو فائدة للسلام العادل والشامل ولا نجد فيه سوى ضخ دم جديد للاقتصاد الاسرائيلي”.

انطباعاتٌ ثلاثة وسمت الأدوار التي لعبها رفيق الحريري في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بدأت بالشاب الجامعي الذي غامر بحياته من أجل فلسطين، كرئيس للحكومة أطلق العنان لصراخه مطالباً بحقوق الفلسطينيين من على المنابر العالمية، وكرئيس سابق للحكومة وكمفاوض سري حرّض على إسرائيل وأصرَّ على اتهامها برفض السلام. إنه رفيق الحريري الذي أحب فلسطين حدَّ الزواج من ابنتها السيدة نازك عودة.

شارك المقال