“طوفان الأقصى” وحرب العقيدة

لينا دوغان
لينا دوغان

أعادت الحرب الدائرة في غزة الى الأذهان، فكرة العقيدة، واذا كان علينا توضيح الفكرة وتبسيطها أكثر، فعلينا أن نسأل على أي أساس يحارب المسلمون اليهود، ويحارب اليهود المسلمين؟

لطالما كان بنو إسرائيل يديرون المعركة باسم الدين، وباسم التوراة، وباسم التلمود، ويتنادون إلى أرض الميعاد، حتى حقق لهم هذا “وعد بلفور”، الذي تضمن تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، لكن مع احترام الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة فيها.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول عُرضت على اليهود بدل فلسطين، الا أنهم اختاروها لاعتقادهم أنها أرض الميعاد التي سيعود اليها اليهود ويجتمعون فيها، وذلك بحسب ما جاء في كتبهم المحرّفة. كذلك حرصوا على فلسطين لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يهدفون من ورائه إلى احتلال العالم، ويعتبرون أيضاً أن القدس لهم .

وهكذا بدأ يهود الشتات من كل أنحاء العالم يصلون الى فلسطين بمساندة بريطانيا التي ساعدتهم عبر أسطولها وامدادهم بالماء والتموين والوقود حتى السواحل الفلسطينية، الى أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني سنة 1947 مشروعاً يدعو إلى إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل، وأقيمت الدولة على أرض فلسطين التاريخية بعد حرب ١٩٤٨ أو ما يسمى النكبة.

كما ذكرنا لم تكن فلسطين بداية هي الوطن المختار للمشروع لكنها واحدة من ثلاثة أماكن مقترحة مع الأرجنتين وأوغندا، إلا أنها كانت الأكثر جاذبية، لأنها مرتبطة بهدف ديني، إذ يعتبرها اليهود محور تاريخهم وأرض أنبيائهم وفيها مقدساتهم، وعند حصولهم على دولتهم خسر العرب الحرب يومها فكانت النكبة بتشريد عدد كبير من الفلسطينيين خارج بلدهم.

وعلى أساس العقيدة لدى اليهود أن الله سبحانه وتعالى وعدهم بهذه الأرض، وأن لهم فيها ارتباطاً تاريخياً ونفسياً وروحياً، وهم يعملون على قضم أراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات عليها ليتمكنوا مع الوقت وعلى الرغم من كل اتفاقات السلام التي وقعت، من تثبيت وجودهم هناك والعمل على تهجير أصحاب الأرض الى كل من مصر والأردن.

وصلت اسرائيل الى حد اعتبار نفسها الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، الى أن جاءت عملية “طوفان الأقصى”، التي هزت هذا الاعتبار وكسرته، لكنها في الوقت نفسه أعادت تحريك عقيدة في وجه عقيدة، واذا كان الاسرائيلي يعتبرها أرضه، فإن الفلسطيني المسلم خصوصاً لا يرى لليهود حقاً في هذه الأرض، لما يمثله بيت المقدس عند المسلمين، ففيه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك. ولا يقف الأمر عند هذه النقطة فحسب بل يتعداها الى عملية اغتصاب الأرض من أهلها الأصليين، فما كان من صور الاجرام وعمليات الابادة الجماعية التي أقدمت عليها إسرائيل في غزة، الا أن أيقظت من جديد عند الجميع فكرة القضية وضرورة ارضاخ هذه العنصرية والجبروت اللذين اتسمت بهما اسرائيل على مدى عصور وتركيعهما، هذه القضية التي عادت بهذا الزخم الكبير لدى الشباب العربي الذي عاود الحديث عن أحقيتها وحق أهلها في الدفاع عن أرضهم وعن عقيدتهم في وجه عدو لا يتوانى عن ارتكاب كل أنواع الاجرام لتحقيق أهداف عقيدته.

تتعطش اسرائيل للدم دائماً ونحن نتعطش للسلام، فهي لم توقع على اتفاق الا ونكثت به، خصوصاً مع وصول يمينها المتطرف الى الحكم، وهو الذي يرفض حل الدولتين ويمعن في الاجرام والقتل وكذلك استكمال عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى بحثاً عن هيكل سليمان، لكن اليمين لن يبقى في الحكم، ومن المفترض أن تذهب الأمور الى حل، الا اذا أصر اليهود على التمسك بمعتقداتهم، فإنهم سيواجهون بأكثر من طوفان متمسك هو الآخر بعقيدة تعتبر أن في الاصل لا وجود لهذه الدولة على هذه البقعة من الأرض.

شارك المقال