لودريان لن يقدّم ولن… يؤخر!

صلاح تقي الدين

على جري عادتهم، ينتظر الزعماء اللبنانيون كما المحللون الزيارة المرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي الخاص جان إيف لودريان إلى بيروت، لكي يستطلعوا منه آفاق المرحلة المقبلة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية خصوصاً في ضوء المستجدات التي حصلت ما بين زيارته الأخيرة والزيارة المرتقبة، وتحديداً في قطاع غزة والتهاب الجبهة الجنوبية للبنان.

وبناء على المعطيات المتوافرة لغاية اليوم، من غير المرجح أن تأتي زيارة لودريان بأي شيء جديد، فمن الواضح أن الحديث عن الانتخابات الرئاسية تأجل بسبب الأحداث الاقليمية وبالتالي لن يكون هناك أي تقدّم في هذا الموضوع قبل معرفة مآل الأحوال “الغزاوية”، وما إذا كان الجنون الاسرائيلي سيدفع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى مغامرة توسيع رقعة الحرب وتوريط الأساطيل الأميركية المرابطة في المنطقة فيها.

كما أن المواقف غير المنطقية التي اتخذها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من الهجوم الوحشي الاسرائيلي على غزة، و”اعترافه” بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أفقد فرنسا إجمالاً صدقيتها في ما يتعلق بالوساطة التي تسعى إلى القيام بها لحل الأزمة الرئاسية في لبنان، وسيكون عليها القيام بعمل كبير كي تستعيد موقعها الذي لطالما تميّزت به في الشرق الأوسط عموماً ولبنان على وجه الخصوص.

أضف إلى مواقف ماكرون زيارات الموفدين الفرنسيين الرسميين إلى بيروت، العلنية منها وتلك التي جرت سراً، من وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان ليكورنو وتصريحاتهما التي استفزت مشاعر الجزء الأكبر من اللبنانيين خصوصاً أنها حملت تهديدات إسرائيلية مباشرة للبنان إذا تورط “حزب الله” في معركة إشغال العدو الصهيوني وتحوّل إلى المواجهة الشاملة الأمر الذي سيدفع إٍسرائيل إلى “استهداف لبنان من شماله إلى جنوبه”.

لكن المصداقية الفرنسية وترويجها لمبادرة رئاسية كانت محط انتقاد منذ البداية عندما اندفعت باريس في الترويج لمعادلة رئيس من فريق الممانعة مقابل رئيس حكومة من المعارضة، وتمت تسمية رئيس تيار “المردة” النائب والوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة مقابل السفير اللبناني السابق والقاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام لرئاسة الحكومة، انطلاقاً من دعمها المطلق لفرنجية للرئاسة من دون أن تحاول حتى إخفاء هذا الأمر.

وعلى الرغم من الزيارات الثلاث التي قام بها لودريان إلى بيروت في محاولة لتسويق المبادرة الفرنسية، إلا أن الموقف الصلب للمعارضة مدعومة بالتوافق الذي حصل مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على تأييد مدير دائرة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أعور حال دون نجاحها، وتعطّلت الانتخابات الرئاسية على مدى 13 جلسة ماضية ولن تنعقد الجلسة المقبلة على الأرجح قبل جلاء الوضع في غزة.

وفي وقت سرت فيه “شائعات” مفادها أن لودريان في زيارته المرتقبة سيعلن عن سقوط التأييد الفرنسي لفرنجية وتأييد قائد الجيش العماد جوزيف عون، إلا أن هذا الأمر لا يزال يواجه موقف “حزب الله” الواضح والمتشدد بدعم فرنجية دون غيره “حتى الآن”، وهو يحاول عبر نقاشات مطولة مع باسيل إقناع الأخير بالقبول بفرنجية رئيساً مقابل “ضمانات” معينة تحفظ له مواقعه في الحكومة العتيدة ومواقع الفئة الأولى والثانية في الادارة العامة.

وإذا كانت فرنسا تسعى بعد “تليين” موقفها من الحرب الاسرائيلية على غزة إلى استعادة “بعض” الحضور لها على الساحة الاقليمية من خلال لبنان، فإن “تخليها” عن فرنجية مقابل دعمها للعماد عون لا يجعلها في موقع المفاوض أو الوسيط الذي تتغيّر مواقفه في ليلة وضحاها ولذلك فإن زيارة لودريان ستكون كما سابقاتها، لمجرد الزيارة.

ومما لا شك فيه أن الشغور المحتمل في قيادة الجيش مع قرب إحالة العماد عون على التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعركة الرئاسية، فباسيل يرفض رفضاً قاطعاً التمديد أو تأجيل تسريح عون اعتقاداً منه أن إحالة قائد الجيش على التقاعد سيخرجه من المعركة الرئاسية، واحتمال أن ينحاز إلى فرنجية وانتخابه رئيساً واقعي أكثر من احتمال قبوله بالتجديد لعون.

وفي هذا الاطار، تعتقد مصادر نيابية معنية أن احتمال أن يحمل لودريان في زيارته “تمنياً” فرنسياً يكون في الواقع منطلقاً من رغبة أميركية مدعومة من اللجنة الخماسية المعنية بالشأن الرئاسي اللبناني، بعيد عن الواقع إذ ان الاهتمامات الأميركية و”الخماسية” في مكان آخر اليوم، وهي منخرطة بقوة في الحرب الدائرة في غزة ومنشغلة في وضع التصور العام لما بعد الحرب وعندها يمكنها العودة الى الاهتمام بالشأن اللبناني.

في الخلاصة، فإن لودريان وفقاً لهذه المصادر، لا يحمل جديداً وقد تكون زيارته لرفع العتب أو توضيح حقيقة الموقف الفرنسي من الحرب الدائرة في غزة لما أثارته مواقف ماكرون من جدال واسع في الأوساط السياسية اللبنانية وحتى الرسمية منها، وبالتالي على الجميع عدم بناء الآمال عليها لأنها قد تكون كما المثل الشائع “تيتي تيتي متل ما رحتي متل جيتي”.

شارك المقال