أطلب… ولو في الصين!

اكرم البني
اكرم البني

…مظاهر الحفاوة التي واكبت الزيارة التي قام بها مؤخراً وزير خارجية الصين لدمشق، والتضخيم السلطوي لدور بكين في المستقبل السوري، ولمطالبتها المجتمع الدولي التخلي عن وهم تغيير النظام القائم، والبدء بإعادة إعمار سوريا من دون اشتراطات!

…مفاخرة حكام إيران بوثيقة التعاون الشامل مع الصين في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية، والتغني بها كبوابة إنقاذ وخلاص من أزماتهم المتفاقمة!

… “الاتجاه شرقاً” عبارة أصبحت برسم “حزب الله” اللبناني لتجاوز التدهور المريع اقتصادياً ومعيشياً، ربطاً بالترويج لمعلومات مضللة عن استعداد حكومة بكين ومؤسساتها الاقتصادية لمساعدة لبنان من دون مقابل، وبأن ثمة شركات صينية جاهزة للاستثمار في بناء المصانع والسكك الحديد وبعض مرافق البنية التحتية!

كل ما سبق هي مؤشرات تدل على خيار جديد لأطراف محور الممانعة للتهرب من مسؤولياتهم عن بؤس وتردي أحوال مجتمعاتهم، يحدوهم التعويل هذه المرة على الصين كطوق نجاة وبديل للعلاقات الطبيعية المتكافئة المفترض اقامتها مع المجتمع الدولي.

إذا كان أمراً مفهوماً ومألوفاً أن تجمع أطراف شمولية وديكتاتورية، بدءاً بإيران وميليشياتها انتهاءً بسوريا، على اختيار بلد على صورتها ومثالها والرهان عليه للتخفيف من تفاقم مشكلاتها ومن حالة العزلة والحصار الدوليين، فما ليس مفهوماً ومفسراً هو اندفاع منظري الممانعة لتحرير الصين من أية أغراض اقتصادية وسياسية، وتبرئتها من المصالح والحسابات الأنانية التي يّدعون أنها الدافع الرئيس لعلاقة الغرب معهم.

ونسأل: متى صار الممانعون يرون في أصحاب الرساميل والاستثمارات حملة مبادئ وقيم؟ وهل يصدقون أنفسهم عند يسربلون حكام بكين بسربال المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، ويدعون بأن لا اشتراطات سياسية ولا مصالح اقتصادية لهم؟

كيف يمكنهم الرد على مراكز أبحاث دولية عديدة حذرت من مخاطر الاستثمارات الصينية وعدم شفافية شروطها، وأنها تتم عبر مفاوضات سرية تفوح بروائح الفساد، لتستخدم كأدوات للهيمنة والاستحواذ؟ وألم يوصف ما قدمته مؤسسات صينية من قروض لعدد من البلدان الافريقية، على أنه شكل من أشكال الاستعمار الاقتصادي الخفي، تسعى بكين من خلالها للاستئثار بموارد الدولة المقترضة ومقاسمة أبنائها ثوراتهم؟ وأين يمكنهم صرف موقف بعض السياسيين والمثقفين الإيرانيين الذي أبدوا تحفظهم على وثيقة التعاون الشامل مع بكين، وأنها لن تجدي نفعاً وسوف تنقل البلاد من تحت “الدلف لتحت المزراب” كما يقول المثل الشعبي، بل وجدوا فيها ما يضعف استقلال البلاد، بإطلاق يد الصين فيها اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، وتعقيد المفاوضات مع الأطراف الغربية التي من دون نجاحها لا يمكن إلغاء العقوبات الاقتصادية، أو التخفيف منها؟

أليس للصين مصلحة في اقتناص الفرصة المتاحة لملء الفراغ، ومن دون تكلفه، الذي يخلفه الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط؟ وألا يهم اقتصادها استمرار استجرار النفط والبحث عن مصادر دائمة لتوريده؟ وأليست خطتها التي عرفت بمشروع “الحزام والطريق” وسوريا جزء منه، عنواناً لتوسيع نفوذها عالمياً؟ ثم ألا يهمها محاصرة وتصفية الآلاف من المقاتلين الإسلامويين الذين قدموا من آسيا الوسطى ويتمركزون في منطقة أدلب، تحسباً من تهديدهم وخطرهم في المستقبل؟

ثم، أليست حكومة الصين صديقة وفية وعتيقة لحكومة تل أبيب؟ وألا يصح إدراج ما تقوم به من تقارب مع النظامين السوري والإيراني في خانة المصالح الإسرائيلية، ما دامت الأخيرة، أكثر المستفيدين من التسعير المذهبي في المنطقة لتخريب مجتمعاتها وامتصاص طاقاتها، وهتك مقومات تطورها كما حال لبنان والعراق وسوريا؟ وما دامت لا تزال تجد ضرورة لتسخير فزاعة التهديد الإيراني للضغط على دول المنطقة وابتزازهم، واستجرار المزيد من المساعدات الغربية؟

أما في المقلب الأخلاقي، أفلا يعني لهم شيئاً، حين يزدري زعماء بكين حقوق الإنسان ويوظفون جل اهتمامهم لتمكين الأنظمة الديكتاتورية؟ وأين المبادئ والقيم حين تستخدم بكين الفيتو عشر مرات في مجلس الأمن لمنع ادانة النظام السوري أو اتخاذ أي إجراء عقابي بحقه، ما مكنه من تدمير البلد وقتل مئات ألوف الأبرياء وتغييب مثلهم وتشريد الملايين؟ وهل يخفى عليهم أن هذا الموقف إنما يقوض الإمكانية الأخلاقية والقانونية لتقديم المرتكبين إلى العدالة، بل سيجعلهم أكثر جرأة لاستخدام ما طاب لهم من أسلحة، كالكيماوي والبراميل المتفجرة، ضد المدنيين وقمع اية دعوات للتغيير، وأحدث مثال ما يجري الآن بمنطقة الأهواز في إيران؟

إقرأ أيضاً: النفوذ الإيراني في سوريا “قشة” في ظهر الروس

بالنتيجة، للصين مصالح أنانية تسعى اليها أولاً، ولن تتنازل عنها لسواد عيون هذا النظام أو ذاك، ما يعني أن الرهان خاسر على دور لها قد يخرج الزير من البير، فلا وثيقة التعاون الشامل قادرة على مساعدة إيران لتجاوز أزماتها ومشكلاتها، وهو ما لمسنا أحد وجوهه من خلال عودة حكام طهران للهاث وراء رفع العقوبات الاقتصادية عنهم! وأيضاً لا استثمارات صينية مفتوحة للبنان ولا أموال آتية ولا سكة حديد تصل طرابلس بالناقورة، كما روج “حزب الله” وتوهم! كذلك الحال في سوريا، فلن تترجم زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق، بخطة اقتصادية إنقاذيه، ولن يحصد النظام سوى الخيبة، والعجز عن تهدئة النفوس الجائعة!

واستدراكاً، ما يقود الصين هو الرأسمال ومصالح رعاته، بعيداً عن وهم وجود حزب شيوعي على رأس السلطة هناك… وما دام الرأسمال لا مبادئ وقيم أخلاقية له سوى الربح، فإن الصينيين كغيرهم، لن يغامروا كثيراً في الاستثمار في دول تقودها سلطات سياسية فاسدة، وتطبق ضدها عقوبات دولية واسعة، وعاجزة عن ضمان حد مقبول من الاستقرار، والأهم أنها مسؤولة عما حل في مجتمعاتها من فقر وتهتك وخراب.

شارك المقال