ما بين “جَمُوحٍ وأعرج ورابح”… لبنان ضحية صراع “الأحصنة”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

على الرغم من الطوفان الذي يضرب المنطقة ويهددها بأوخم العواقب، لم تجد سلطة العصابة الحاكمة في لبنان في هذا الطوفان ما يدعوها الى تغيير سلوكها المشين في إدارة الدولة وتسيير مصالح البلد والناس، بل على العكس من ذلك يلجأ كل طرف من أطرافها – ولو بنسب مختلفة – الى محاولة الافادة من هذا الطوفان لمصلحة مشروعه السياسي وخياراته غير عابئ بمصلحة البلد والناس، وكأني بهم يرون فيه فرصة لمكسب يرونه مشروعاً ونراه غير مشروع لأنه يضرب المؤسسات في مقتل خصوصاً بعد أن وصل العطب إلى المؤسسات التي تمثل اللحم الحي للبنانيين بدءاً برئاسة الجمهورية وصولاً الى قيادة الجيش، مروراً برئاسة الأركان ومديرية الأمن العام وحاكمية مصرف لبنان، وهي مواقع تمثل العصب الحقيقي للدولة، التي وقعت وتقع ضحية للمناورات والمهاترات السياسية من دون تمييز بين ما هو سياسي يصح الخلاف عليه والنقاش حوله، وبين ما هو وطني يُعتبَر النكد السياسي حياله نوع من أنواع الغباء السياسي إذا أحسنَّا الظن، كي لا نقول نوع من أنواع الخيانة الوطنية.

آخر هذه المناورات والمهاترات ما يتعلق بقائد الجيش الذي تنتهي ولايته مع بداية العام المقبل في ظروف صعبة وخطيرة ليس على لبنان فحسب، بل على المنطقة بأكملها، بحيث يمكن أن تؤدي التطورات إلى تغييرات سياسية خطيرة وإعادة رسم خرائط جديدة، ومع ذلك يختلف ساسة الأحزاب الحاكمة على الأمر إن كان تمديداً أو تعييناً، مع أنهم في النهاية أطراف “عصابة واحدة” والخلاف فقط هو على نسبة الخبث والتذاكي داخل كل طرف حتى يصح فيهم القول انهم “دافنينو سوا”، ومع ذلك يتمترس كل طرف من الأطراف خصوصاً الثنائي الماروني – الذي يتحمل هنا مسؤولية مضاعفة على إعتبار أن غالبية هذه المناصب التي باتت تدار بالوكالة هي مناصب مارونية حسب العُرف الطائفي والمذهبي اللبناني المقيت، هذا العُرف الذي يُعتبر السبب الرئيس في هذه الدوامة التي لا تنتهي – يتمترس خلف حجج وذرائع واهية وتحديداً رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي لا يترك مناسبة أو حدث إلا ويحاول تجييره لمصلحة تياره السياسي التي تصب في النهاية في مصلحته الشخصية على إعتبار وكما هو معروف، أن التيارات السياسية في لبنان بغالبيتها للأسف ليست سوى “شركات عائلية”، أما الطرف الآخر من الثنائي وعلى الرغم من صوابية مواقفه أحياناً، إلا أن ما يضعفها أنها مجرد رد فعل على فعل يكون قد أتاه باسيل، وهو ما يجعل من أي موقف سياسي يتخذه يبدو وكأنه موقف شخصي وليس مبدئياً، ويخلق ثغرات ينفذ من خلالها بعض الأطراف الذي هو في نهاية المطاف في خندق واحد مع باسيل من حيث السياسة العامة والخيارات المدمرة للوطن، ما يسمح له باستغلال شبق باسيل للسلطة لتمرير مشاريعه عبر “دفع” فواتير للأخير ولو على حساب مصالح البلد والناس .

يحدث هذا بطرق خبيثة وتحت شعارات براقة لعل أكثرها خبثاً عندما يتحدث “الكل” الحاكم والمعارض على حد سواء عن تطبيق الدستور، كلٌ حسب مزاجه ومصلحته وأجندته بطريقة إنتقائية، الأمر الذي ينطبق عليه القول كلام حق يراد به باطل، لأن المطلوب فعلاً في هذه الظروف كما في كل الظروف التي يتعرض لها الوطن، هو تطبيق الدستور فقط لا أكثر ولا أقل كما يحصل في كل البلدان الطبيعية، فالدساتير وُضعت أصلاً لتكون حكَماً وحُجة على الخارجين عن سكة الاجماع الوطني والمجتمعي، لذلك فهي ليست وجهة نظر بل المفروض أن لها قوة الالزام والالتزام بها بموجب المصلحة الوطنية العامة المطلوب تحقيقها ولو على حساب بعض المصالح الخاصة، ومنها تُستمد قوة الأوطان ومناعتها.

لذلك، فإن كل ما يحصل اليوم في لبنان سواء في موضوع رئاسة الجمهورية أو في موضوع قيادة الجيش وغيرها من القضايا، هو تغليب للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة بصورة وقحة ويفتقد أدنى درجات الاحساس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية والمنطق، فكيف يمكن في ظروف كالظروف التي تمر بها المنطقة أن يكون هناك خلاف على قيادة الجيش والقاعدة المعروفة تقول انه لا يمكنك تغيير “الحصان” وسط المعركة، فكيف إذا كان هذا الحصان حصاناً رابحاً، ولم تُسجَّل عليه أي كبوة في الحفاظ على أمن البلد والنظام في ظروف صعبة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً؟ ظروف أوجدها أو كان السبب في الكثير منها على الأقل، ذاك الشخص الذي يسعى اليوم ويستميت لتغيير “الحصان” خوفاً منه، بعد أن بات هو “حصاناً أعرجاً” ومرذولاً سياسياً من غالبية الأطراف سواء في الداخل أو الخارج، بحيث أصبح لا طاقة له على خوض السباق، لذلك فإنه يعمل بمقولة “عليَّ وعلى أعدائي” في أسوأ مقولة تدميرية وإنتحارية جماعية في الظروف العادية، فكيف والحال اليوم على ما هو عليه الوضع في المنطقة من حول الوطن الذي بات يدار بالوكالة في كل شؤونه وشجونه بسبب ممارسات “أحصنة عرجاء” من جهة أو جموحة من جهة أخرى لا تخضع لمنطق أو قانون السباق أو المنافسة الشريفة التي تؤمِّن حسن سير المباراة حتى النهاية، لتكون النتيجة في صالح الجميع الرابح والخاسر والميدان؟ بإنتظار مباراة جديدة تغيِّر الموازين وقد ينقلب الخاسر اليوم إلى رابح غداً إذا ما أحسن التدريب الجيد والسليم بعيداً عن التذاكي والتشاطر و”الزعبرة”.

شارك المقال