من الضفة إلى غزة: العياش الذي أحيا فلسطين!

عاصم عبد الرحمن

غالباً ما يخرج قادة “حماس” للحديث عن بطولات “كتائب القسام” التي تسطرها في ميدان المعارك وتخوضها من أجل مجابهة أعتى الميليشيات في التاريخ هي نفسها جادلت الله وقتلت الأنبياء وقلبت الحقائق، يستذكرون مختلف المناطق الفلسطينية المقاوِمة لتدلل على وحدة الموقف والبندقية والساحة، لعل أكثر الساحات استحضاراً هي ضفة العياش، فمن هو عياش الضفة الذي شق طريقاً آخر للمواجهة مع العدو الصهيوني؟

عياش الضفة

هو يحيى عبد اللطيف ساطي عياش، ولد في في بلدة رافات في محافظة سلفيت في الضفة الغربية في 6 آذار 1966. إنضم إلى الكتلة الاسلامية الجناح الطلابي لحركة “حماس” عندما كان طالباً جامعياً. درس الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت في رام الله. وعلى الرغم من تفوقه الجامعي إلا أنه اضطر الى التغيب عن حفل التخرج بسبب ملاحقته من جهاز الشاباك (الأمن الداخلي الاسرائيلي) الذي اتهمه بالتخطيط لعملية “رامات افعال” في تل أبيب (تل الربيع سابقاً) في تشرين الثاني عام 1992، اضطر لاحقاً على أثر المطاردة للانتقال إلى غزة. وكانت الفصائل الفلسطينية قد اعتبرته شيخ الإخوان في رافات الضفة نظراً الى الدور التوفيقي الذي لعبه في مختلف الشؤون والاشكالات التي واجهتها، كذلك مشاركاته الكثيفة في التحركات والاحتجاجات الطلابية موظِفاً سيارة والده لخدمة الحركة الاسلامية وذلك بين عامَيْ 1988 و1992. متزوج ولديه ولدان هما براء وعبد اللطيف الذي سُمي لاحقاً يحيى بعد استشهاد والده بيومين.

المهندس يحيى عياش

تدرج يحيى عياش بين مختلف أجنحة حركة “حماس” إلى أن أصبح أحد أبرز مؤسسي “كتائب القسام” وقادتها حيث كانت بدايته الجهادية المختلفة. انطلق عمله العسكري عام 1990 مع اندلاع الانتفاضة الأولى، وعلى أثر شح المواد المتفجرة قام بإعادة تصنيع المواد الكيميائية والمستحضرات الطبية المتوافرة في الصيدليات فجهز أول سيارة مفخخة تم تفجيرها في رافات افعال في تل أبيب.

بعد أن توصل المهندس يحيى عياش إلى تحويل المواد الكيميائية والأولية إلى متفجرات انتقل في المواجهة مع العدو الاسرائيلي إلى معادلة النار بالنار، فقد دأب على تفجير الحافلات الصهيونية بتركيب العبوات الناسفة.

قاده شغفه العلمي وفضوله الاستكشافي في ما يخدم القضية الفلسطينية إلى كيفية تصنيع البارود، فصنع أولى خلطاته المتفجرة من الكبريت والسماد والفحم بالاضافة إلى توظيف اختصاصه في الهندسة الكهربائية وقام بتطوير الدوائر الكهربائية اللازمة لصناعة المتفجرات. فشلت تجربته الأولى فأبهرت الثانية كل الحضور الذي أخذ يكبر ويحتفل نتيجة ذهوله بنجاح ابتكار عياش التفجيري لتنطلق منها رحلة تصنيع المتفجرات لدى “كتائب القسام” – فريق التصنيع.

إنجازات العياش النضالية

اتهم يحيى عياش بتخطيط الكثير من العمليات الاستشهادية في إسرائيل وتجهيزها وارتكابها بالشراكة مع الفريق الرباعي الذي ضم إلى جانبه كل من زاهر جبارين، علي عثمان عاصي وعدنان مرعي أبرزها:

  • عملية تفجيرية استشهادية بسيارة مفخخة في 6 نيسان 1994 نفذها رائد زكارنة أدت إلى مصرع 8 إسرائيليين وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين.
  • عملية مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر في 13 نيسان 1994 نفذها عمار عمارنة الذي فجر شحنة ناسفة ثبتها على جسده داخل حافلة أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات. هذه العملية قام بإعدادها العياش من خلال تجهيز عبوتين ناسفتين بطريقتين مختلفتين، الأولى جرى تركيبها وتشكيلها لتُلصق بالجسد، والثانية توضع في حقيبة سفر صغيرة تشبه ما يستخدمها الجنود الاسرائيليون في تنقلاتهم، وقام المهندس بوصلهما لتفجيرهما لاحقاً.
  • تفجير داخل حافلة ركاب في شارع ديزنغوف في تل أبيب نفذها صالح نزال في 19 تشرين الأول 1994 أدت إلى مقتل 22 إسرائيلياً وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين.
  • تفجير حافلة تقل جنوداً في سلاح الجو في القدس في 15 كانون الأول 1994 نفذها الشرطي والعضو السري في “كتائب القسام” أسامة راضي.
  • تفجير مقاتلان من حركة “الجهاد الاسلامي” نفسيهما في محطة للعسكريين في منطقة بيت ليد في 22 كانون الثاني 1995 أدت إلى مقتل 23 جندياً إسرائيلياً وجرح 40 آخرين.
  • تفجير مقاتل نفسه عبر شحنة ناسفة ثبتها على جسده داخل حافلة ركاب في 24 تموز 1995 في رامات غان بالقرب من تل أبيب أدت إلى مصرع 6 إسرائيليين وجرح 33 آخرين.
  • هجوم انتحاري استهدف حافلة ركاب في حي رامات أشكول في القدس في 21 آب 1995 أدى إلى مصرع 5 إسرائيليين وجرح أكثر من 100 آخرين.

اغتيال العياش جسدياً

مع اشتداد ملاحقته من مختلف الأجهزة الاسرائيلية واضطراره إلى ترك الضفة وفراره وعائلته لاحقاً نحو غزة، اختبأ المهندس القائد يحيى عياش في منزل صديقه أسامة حماد في بيت لاهيا شمال القطاع حيث تعرف إليه خال صديقه كمال حماد رجل الأعمال الذي كان على علاقة وثيقة بمسؤول المخابرات الفلسطينية اللواء موسى عرفات، وقد تعرف من خلاله الى شخصيات كبيرة في المخابرات الاسرائيلية طلبت منه إعطاء هاتف خلوي محشو بالمتفجرات إلى المهندس.

في 5 كانون الثاني 1996 هرع يحيى إلى منزل صديقه أسامة ليتصل بوالده ويبشره بمولوده الجديد، قام جهاز “الشاباك” بالتشويش على الخط ما اضطره الى استخدام الهاتف الذي أعطاه إياه كمال خال صديقه أسامة، وأثناء المكالمة كانت مروحية إسرائيلية تحلق بالقرب من مصدر الصوت وما إن تأكدت المخابرات الاسرائيلية من صوت يحيى حتى دوى انفجار هزَّ المنطقة أودى بحياته عبر تفجير شريحة الهاتف. اغتيال العياش جسدياً تمَّ نتيجة عملية معقدة خطط لها رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك إسحاق رابين بنفسه مدة 4 سنوات كرد فعل عنيف على الرعب الذي عايشته إسرائيل، وصنعه المهندس يحيى عياش ابن الضفة الذي انتقل بالمواجهة مع العدو الصهيوني من واقع ردود الفعل إلى صناعة الفعل بل الحدث والقصة والقضية.

أكثر من مئة ألف فلسطيني شيعوا جثمان عياش على وقع إضراب عام عمَّ أرجاء القدس ورام الله وغيرها، وانتشرت صوره في كل مكان وأكثر من مكان حمل اسم المهندس البطل. رحل جسده لكن روحه بعثت من جديد، ففي 13 أيار 2021 أعلن أبو عبيدة عن استخدام صاروخ “العياش 250” خلال الحرب على غزة، وهو من صناعة “كتائب عز الدين القسام” تيمناً بمهندس المتفجرات الأول يحيى عياش.

شارك المقال