“طريق الجديدة” خزان البيارتة… لا تزال تنهل من معين الحريري

عمر عبدالباقي

الطريق الجديدة أو “طريق الجديدة” المنطقة البيروتية الأشهر التي تتمتع بتاريخ عريق، وشهدت تحديات مهمة على مر العصور، ابتداءً من اجتياح إسرائيل لبيروت في العام 1982 وحتى 7 أيار عام 2007، وغيرها من الأحداث، كانت دائماً أماً للفقراء ولجميع أهالي بيروت، ومن يعرفها يدرك تماماً أنها تمثل رمزاً للمعرفة والنضال والثقافة، ففيها جامعة بيروت العربية التي خرّجت شخصيات بارزة في لبنان والعالم العربي، وكذلك مستشفى “المقاصد” الذي كان يعتبر أحد أهم المستشفيات في لبنان.

ماذا عن الرياضة؟

كانت الطريق الجديدة وجهة رياضية رائعة في لبنان من خلال ملعب بيروت البلدي، الذي يعتبر رمزاً رياضياً مهماً في قلوب سكان بيروت عموماً، ومركزاً للأحداث الرياضية البارزة. وتُعتبر مباريات الديربي بين “الأنصار” و”النجمة” من أهم الأحداث التي تختزنها ذكريات الأجيال، على الرغم من الظروف العامة غير المستقرة خلال تلك الفترة، ولا سيما الحرب الأهلية.

من تلة رملية إلى مركز حيوي

الطريق الجديدة كانت تلة رملية تُعرف بـ “مزرعة العرب”، وفيما بعد، تغيّر اسمها إلى “تلة زريق” تيمناً بعائلة زريق اللبنانية التي كانت تمتلك أراضٍ واسعة في المنطقة. وفي سبعينيات القرن العشرين، قررت الحكومة فتح طريق يربط بين منطقة الحرج والطريق البحرية في منطقة المنارة، واشتهر باسم “الطريق الجديدة”، وظلت تسميته كذلك حتى اليوم. كما أصبحت المنطقة موطناً للعديد من المؤسسات الثقافية والترفيهية.

ولكن السؤال: كيف هي الحالة الآن في هذه المنطقة المحبوبة لدى البيارتة بعد الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان؟

تتميز منطقة الطريق الجديدة بتنوع معالمها، بحيث تشتمل على مجموعة واسعة من المراكز التجارية والمتاجر الغذائية المتنوعة والمحال المشهورة، ومن بينها “محل صفصوف”، الذي يعتبر واحداً من أبرز وجهات بيع الحلويات في المنطقة، وتستدل عليه لدى وصولك الى يسار ساحة الملعب البلدي، من خلال طابور الناس المنتظرين دورهم للحصول على كعكة الكنافة الشهيرة.

يقول أحد مؤسسي “محل صفصوف” زياد رباح صفصوف لموقع “لبنان الكبير”: “إن الطريق الجديدة محور تجاري واقتصادي حيوي، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من تاريخ مدينة بيروت. عندما تتجول في هذه المنطقة، تشعر بالحيوية والنشاط اللذين يعمان المكان. وبالنسبة الينا في صفصوف، فإن وجودنا هنا يسهم بصورة فاعلة في تنشيط الأنشطة الاقتصادية المحلية والمناطق المجاورة.”

وعن حركة المبيعات في الأيام الحالية، يقول صفصوف: “لا شك في أن حركة المبيعات تغيرت مع مرور الوقت. نعيش زمناً مختلفاً عن العقود الماضية، وهذا ينعكس على تفضيلات الزبائن. في الماضي، من كان يأتينا لشراء 2 أو 3 كيلو أصبح بالكاد يطلب كيلو واحداً حالياً، وباتت الاكثرية تميل إلى شراء كميات أقل. ويشكل السياح والمغتربون نسبة كبيرة من زبائننا في الوقت الحالي.”

تشتت سياسي وحاجة الى التمثيل

تعتبر الطريق الجديدة بالفعل المنطقة التي يسكنها أكبر عدد من المسلمين السنة في بيروت، ومن الواضح أن هذه الطائفة هي الوحيدة التي تفتقد ممثلين حقيقيين لها سياسياً في ظل كل ما يمر به البلد، خصوصاً بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي. ولا شك في أن الطائفة عموماً ومنطقة الطريق الجديدة خصوصاً تعاني من تشتت سياسي يحتاج إلى توافق واضح كما كان في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده الرئيس سعد الحريري، وهذا كان واضحاً في الانتخابات النيابية الأخيرة.

ويعتبر عدم وجود تمثيل جدي وحقيقي وفاعل للطائفة السنية في هذه المرحلة أحد الأسباب الرئيسة لعدم نضوج ظروف الحوار السياسي في البلد، حيث هناك تمثيل سياسي قوي للطوائف في لبنان، مثل الشيعة والمسيحيين، فيما السنة يفتقرون إلى تمثيل حقيقي وموحد لهم، اذ تعاني الطائفة من التشتت والتفرق، ما يجعل من الصعب تشكيل كتلة نيابية قوية ومتجانسة فما بالك بترجمة الحال الطائفية عموماً في هذه المنطقة التي تقطنها النسبة الأكبر من السنة؟

منسق عام بيروت في تيار “المستقبل” المحامي عمر الكوش كان له رأي في هذا الموضوع، وقال لموقع “لبنان الكبير”: “الطريق الجديدة هي جوهرة بيروت، ومن الطبيعي أن تتأثر بسبب قرار تعليق العمل السياسي الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري. ولكن لماذا تعتبر الطريق الجديدة هي الأكثر تضرراً؟ يرجع ذلك إلى ديناميتها العالية واحتوائها على حركة شبابية كبيرة وعائلية، بالاضافة إلى الحضور القوي لتيار المستقبل. لذا، أنا أتفهم تماماً أن الطريق الجديدة تأثرت سلباً من الناحية السياسية بسبب عدم وجود نواب ووزراء كانوا يدورون في فلك تيار المستقبل”.

وعن رأيه في أداء النواب الحاليين في بيروت، أشار الكوش إلى أن “لا نواب يمثلون الطريق الجديدة أو بيروت بصورة حقيقية”، موضحاً أن “النواب الحاليين استفادوا من عدم مشاركة تيار المستقبل في الانتخابات النيابية الأخيرة، ما أتاح لهم فرصة الترشح والحصول على أصوات لا تعكس الزخم الشعبي السابق للانتخابات النيابية في بيروت”. وأعرب عن استيائه من أن “النواب وصلوا إلى المجلس النيابي وفقاً لما يسمى بأفكار أو مبادئ ثورية، حتى أصحاب هذه الأفكار اكتشفوا أن هؤلاء النواب لم يكونوا قد الحمل”.

أما النائبة السابقة رولا الطبش فوصفت لـ “لبنان الكبير” الطريق الجديدة بـ”خزان البيارتة”، وقالت: “كانت للطريق الجديدة وما زالت خصوصية في قلوبنا، فهي التي احتضنت رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، أهلها أهل الوفاء والصدق، لم تحد يوماً عن النهج الذي رسمه الرئيس الشهيد وسار على هديه الرئيس سعد الحريري، وهي التي شعر أبناؤها باليتم مرتين، مرة كما كل اللبنانيين حين امتدت يد الغدر فاغتالت حلم الوطن وحلم كل لبناني وبيروتي، ومرة ثانية حين غادر الرئيس سعد الحريري بيروت معلقاً عمله السياسي. ومن البديهي أن نشعر جميعنا بهذا اليتم الذي نراه مؤقتاً، اذ نأمل في عودة قريبة للرئيس الحريري الذي أعطى بيروت عموماً والطريق الجديدة خصوصاً من كل قلبه”.

ورداً على سؤال عما اذا كانت بيروت في حالة تشتت سياسي، أجابت الطبش: “عندما نتحدث عن تشتت سياسي أجد أنه بعيد كل البعد عن الطريق الجديدة الوفية، التي لا تزال تنهل من معين رفيق الحريري، فهذه المنطقة على الرغم من تبدل الظروف لا تزال ترفع صور سعد الحريري وتعتبره خير ممثل لها ولأهلها، وبصراحة لم نجد بعده من يملأ الفراغ الكبير الذي تركه”.

أضافت: “على الرغم من غياب الرئيس سعد الحريري فان بيروت والطريق الجديدة لا تزالان وفيتين له وهما أصلاً في قلبه ووجدانه. وهو يتابع أوضاع هذه المنطقة وشؤون أبنائها عبر المقربين منه. وأنا شخصياً كوني نائبة سابقة ممثلة لتيار معين لم أتغيب لحظة واحدة عن أهلي في الطريق الجديدة وغيرها، هؤلاء أمانة في أعناقنا، وبامكانات متواضعة أعمل على تأمين احتياجات العوائل التي تتواصل معي، كما أنني وبحكم علاقتي ببعض الجمعيات أقوم بتأمين ما يقدرني الله عليه من أدوية وأقساط وغيرها خصوصاً أن الوضع الاقتصادي المأزوم قد حال دون توسيع دائرة التقديمات. وبالتأكيد سأواصل العمل في هذا الاتجاه على الرغم من ضآلة الامكانات لكن البحصة تسند خابية، وما يهمني ألا يشعر أهلنا أنهم متروكون، لذلك نعمل على متابعة أوضاعهم ومساعدتهم ولن نألو جهداً في القيام بكل ما يمكننا من أجلهم”.

تحديات الأمن والاستقرار

وتشهد المنطقة وضعاً غير آمن بالصورة المطلوبة نظراً الى ازدياد حالات الجرائم والسرقات التي تشهدها في ظل الأزمة الاقتصادية، وآخرها حادثة القتل التي تسببت بوفاة الشاب زياد المصري نتيجة نزاع فردي وأثارت قلق الأهالي، بالاضافة إلى الاشكالات المستمرة التي تحدث في محيط قسم طوارئ مستشفى “المقاصد” من دون احترام حرمة المستشفيات.

الصعيد الاجتماعي

ويعكس الواقع الأمني المهتز الوضع الاجتماعي الصعب، بحيث تفتقد شوارع المنطقة الحيوية التي كانت عليها في الماضي وخصوصاً في ساحة الملعب البلدي، الذي كان يعتبر واجهة رياضية حقيقية للبلد، لكن الآن، نراه ساحة مهجورة أو منسية، وليس هناك من يهتم بهذا الارث البيروتي المهم.

مختار المنطقة خضر أحمد دوغان، أعرب لموقع “لبنان الكبير” عن استيائه من واقع المنطقة الحالي وتحدياتها الاجتماعية والثقافية بصورة واضحة، قائلاً: “كنا نعيش في حالة رفاهية أكبر في الماضي. وفي رأيي، ان الحرب الأهلية في العام 1975 أحدثت تغييراً جذرياً في الوضع العام للمنطقة”.

وعن وجود مشاريع أو اهتمامات ترتبط بتحسين الطريق الجديدة وتطويرها، أكد دوغان أن ‘ليس هناك أي اهتمام ونسبة التطوير تكاد تكون صفراً. فعلى سبيل المثال، يصعب الوصول إلى معظم المراكز الخدماتية مثل المستشفيات وغيرها، وذلك بسبب الحالة الاجتماعية المأساوية التي يعاني منها أولاد المنطقة خصوصاً وبيروت عموماً”.

وأبدى قلقه “لأن الوضع الأمني أيضاً في حالة سيئة. يحدث العديد من الاشتباكات والمشاجرات في المدينة الرياضية مثلاً، وفي اليوم التالي ولا كأنو صار شي، لا يحاسبب المسؤولون بصورة فاعلة ولا يودعوا في السجون”.

وحول الاحتفاظ بالمعالم الثقافية للمنطقة، أشار دوغان إلى أن “الثقافة لم تعد باقية. حتى الطلاب الراغبين في التسجيل في جامعة بيروت العربية، التي تعتبر جامعة بيروتية إسلامية، يواجهون صعوبة في الالتحاق بها”.

محبة البيارتة لمنطقتهم

وعلى الرغم من كل الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي يواجهونها، الا أن أهالي الطريق الجديدة يحملون في قلوبهم حباً لا يوصف لمنطقتهم وأرضهم وثقافتهم.

أحمد ع، الذي يعتبر واحداً ممن عاصروا المنطقة في الماضي، أعرب عن حبه الشديد لها، ووصفها بأنها “بي الفقير” ومنطقة الخيرات مع بساطة أهلها. وأبدى انزعاجه من موضوع ترك أهل بيروت منطقتهم، قائلاً: “العديد من الأشخاص غادروا المنطقة واستقروا في دوحة عرمون وبشامون وهذه المناطق المحيطة، ويا خوفي تبطل المنطقة للبيارتة”.

وأكد أن ذكرياته الجميلة في المنطقة تعد من أجمل أيامه ولا سيما أيام “الفوتبول” في الملعب البلدي “حين كنا نتسلق الجدران لمشاهدة مباريات كرة القدم عندما لم يكن لدينا الكثير من المال، ونشاهد مباريات فريق الانصار مع المدرب الراحل عدنان الشرقي رحمه الله”.

أما عمر ح، الشاب العشريني، فشدد على أن جميع المعالم الثقافية في المنطقة لا تزال تحمل أهمية كبيرة بالنسبة اليه كابن الطريق الجديدة، وهو ملتزم بالبقاء وتربية أبنائه فيها، كما والده وجده.

شارك المقال