غزة بعد الهدنة

لينا دوغان
لينا دوغان

لم تسترح غزة حتى في أيام الهدنة المؤقتة، والتي عمل عليها أكثر من طرف لتحقيقها وتحويلها الى دائمة، لكن هذا الأمر لم ينجح، حتى أن سريان الهدنة لم يسلم من إسرائيل، التي قامت بخرقه أكثر من مرة، موجهة رسائلها خصوصاً الى النازحين جنوباً، رافضة عودتهم مؤكدة أن الحرب لم تنته وأن شمال غزة هو منطقة عمليات عسكرية، حتى وصل الأمر بالجيش الاسرائيلي الى اطلاق النار على عدد من الفلسطينيين حاولوا العودة الى الشمال في آخر مهلة الهدنة، ما تسبب باستشهاد شخص واصابة عدد آخر.

وبالفعل ما إن انتهت الهدنة ومعها عملية تبادل الأسرى والمحتجزين، التي وصلت الى ٢٤٠ من الفلسطينيين مقابل ٧٧ إسرائيلياً، وبعد اتفاقات على هدن متلاحقة، عاد أهل غزة الى التعايش مع القصف والنزوح من جديد، لكن هذه المرة بوتيرة إجرامية أكبر مما كانت عليه قبل الهدنة.

بمجرد انتهاء الوقت، وكأنها تمشي على جهاز قياس الزمن، بدأت اسرائيل بدك غزة من الجو والبر والبحر، مع ارتفاع ملحوظ في وتيرة العنف في القصف الذي خلف ما لا يقل عن ٢٤٠ خلال يوم واحد.

وعلى الرغم من أن الهدنة التي استمرت أسبوعاً حققت للطرف الاسرائيلي خروجاً آمناً وسليماً لعدد من الأسرى لدى “حماس”، الا أن عدم الوصول الى أي انتصار أو تحقيق خطوة باتجاه كسر ما حصل في ٧ تشرين بعيون الشعب الاسرائيلي وعقوله، دفع بالآلة الاسرائيلية الى اعادة تدوير محركاتها بهذا الهدف.

فالجيش الاسرائيلي الذي أدرك أن كل ما قام به من عمليات في المرحلة الأولى لم يتحقق منه أي هدف أقله استرداد هيبته، التقت مصالحه مع اليمين المتطرف في حكومة الطوارئ الذي كان يعارض أصلاً الهدنة مع “حماس”، فأعدوا العدة للحظة الانقضاض مجدداً على غزة وبدأوا حمم النيران، متذرعين بأن “حماس” هي من بادرت فور انتهاء الهدنة الى إطلاق الصواريخ، فانطلقت طائرات سلاح الجو بغارات على عدد كبير من المواقع في قطاع غزة، شمالاً وجنوباً… وتؤكد معلومات أن الجيش الاسرائيلي حصل على ضوء أخضر من الحكومة التي أطلقت يده في استئناف الحرب، لا وبل عدم وقف اطلاق النار حتى تصفية “حماس”.

يقول متابعون على الأرض إن أصوات القصف الاسرائيلي على غزة، يتردد صداها في تل ابيب، بسبب حجم القنابل والصواريخ الضخمة التي يلقيها طيران الاحتلال.

بهذه الطريقة ولو تم الاتفاق على ألف هدنة، لن تستريح غزة، لست مع “حماس”، وبطبيعة الحال لست مع عدوي الاسرائيلي، لكن ما يجري على الأرض في غزة لن يبرد لا دم الأطفال ولا دم النساء، ولن يضمد أوجاع الجرحى، ولن يشفي جروح المصابين، ولن يسكت آهات الأمهات الثكلى.

من الواضح أن محاولات البحث عن هدن جديدة لن يحمل نتائج، لأن اسرائيل ماضية في مشروعها، وهي تعض أصابعها ندماً على خروجها من غزة، ولا تريد حتى للسلطة الفلسطينية أن يكون لها أي دور في القطاع.

بات من الضروري والاجدى بعد مرور حوالى الشهرين على النزيف الحاصل في غزة، ان تذهب الامور الى حل سياسي لم يجد طريقه الى النور بعد، بفعل التعنت الاميركي-الاوروبي ومواقفهم الداعمة لاسرائيل، التي وصلت فيها الامور الى حد اخذ قرار بتسليح المستوطنين في الضفة الغربية، هذا الحل السياسي اذا ما وجد يجب ان يواجه اولا اسرائيل بإجرامها وايقافها عن مشروعها الذاهب باتجاه تهجير الفلسطينيين من جهة، واجبارها على الاعتراف بوجودهم ووجود دولتهم، ومن ناحية اخرى الاخذ بيد حماس ليكون لها دور سياسي اساسي في مرحلة ما بعد الحرب، وهذا امر منوط بدول كثيرة أهمها تلك الداعمة لحماس وغير حماس، وعلى ما يبدو هنا بيت القصيد، وهنا تكمن عقدة ايجاد الحل،،،

شارك المقال