اسرائيل تعد العدة لحرب مع “الحزب” ولا مفر من 1701

جورج حايك
جورج حايك

لم تبدأ الحرب في الجبهتين الجنوبية والشمالية لاسرائيل لتنتهي من دون نتائج فعلية تبعد خطر “حماس” في غزة وخطر “حزب الله” في جنوب لبنان، لذلك حدّدت اسرائيل أهدافاً معلنة وأهدافاً سريّة لمواجهاتها مع الأذرع العسكرية الايرانية المتربصة بحدودها.

ولا يختلف اثنان على أن حكومة الحرب الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بدأت بترجمة خططها في غزة، وتسعى الآن الى تقطيع أوصال القطاع بهدف إحكام الحصار أكثر على “حماس” وتضييق الخناق على الفلسطينيين في غزة، ما سيجعل ظروفهم الحياتية صعبة وغير ممكنة، بحيث تتزايد النقمة على مقاتلي “القسّام” للقبول بشروط اسرائيل ولا سيما الخروج من القطاع رأفة بالشعب الفلسطيني كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1982. وقد برزت معطيات من مصادر ديبلوماسية أميركية تؤكد أن المهلة التي سمحت بها الادارة الأميركية لحكومة نتنياهو كي تقوم بمهمتها لا تتجاوز الأسابيع، فيما اسرائيل كانت تطالب بأشهر.

لكن ما لم تُعلن عنه حكومة نتنياهو، هو خطة أعدتها لمعالجة الخطر الذي يشكّله “حزب الله” على الحدود الشمالية. وتلفت المصادر الديبلوماسية الأميركية إلى أن الوضع في الشمال يُقلق اسرائيل كثيراً، وقد اضطرت إلى إجلاء 60 ألف شخص يعيشون على بعد ثلاثة أميال من الحدود. ويعيش هؤلاء الآن في مرافق مؤقتة، وقد توقّف تعليم أطفالهم، وأصبحت مدنهم فارغة وتوقفت كل أشكال الحركة والتجارة على طول الحدود، نتيجة الاشتباكات الدائرة بين “الحزب” واسرائيل واحتمال التصعيد نحو استخدام صواريخ بعيدة المدى.

من جهته، يرى الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشان أن “ما تعده اسرائيل لجبهة الشمال ليس سرياً، لأن نتنياهو أقرّ بذلك في مناسبات عدة، فالاسرائيليون لن يعودوا إلى بيوتهم هناك إلا بعد توصّل حكومتهم إلى حل جذري، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار العامل البسيكولوجي التاريخي لهؤلاء، نظراً إلى ان وجدانهم التاريخي لم يُشفَ من عمليات الابادة والمجازر التي ارتكبت على يد الألمان وغيرهم”.

ويشير خشان إلى أن “سكّان الشمال الاسرائيلي صدمهم مشهد 7 تشرين الأول الذي قامت به حماس، وبالتالي يرفضون العودة إلى بيوتهم، وقد أعلن الجيش الاسرائيلي تطويع 8 آلاف عسكري أضافهم إلى 4 آلاف كانوا موجودين هناك، علماً أن تكثيف الجيش في الشمال يعني ما يعنيه، وقد تلقت الدولة اللبنانية من عواصم القرار تحذيرات بأن اسرائيل جادة في القيام بعملية ضد حزب الله لإبعاده عن حدودها، وزيارة مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه الأخيرة إلى بيروت كان هدفها ابلاغ المسؤولين اللبنانيين أن المطلوب تنفيذ فعلي للقرار 1701 أو ستنفّذه اسرائيل بالقوة. في المقابل، لا شك في أن الحزب متعلق بالجنوب ومبرر وجوده مقاومته هو الوضع في الجنوب، وبالتالي الوضع صعب حتماً”.

من هنا يأتي الاصرار الدولي على تنفيذ القرار 1701 تفادياً لوقوع الاسوأ، والسؤال هل سيفعل “حزب الله” ذلك حبياً أو بالقوة؟ تجيب المصادر الديبلوماسية الأميركية: “ان اسرائيل لن تستطيع أن تتحمّل أن تبقي جيش الاحتياط معبأ لفترة طويلة على الحدود الشمالية لأنه مُكلف اقتصادياً، لذلك ليس هناك سوى خيارين، وكلاهما يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة قبل أن ينزلق الاقتصاد الإسرائيلي إلى الخراب. الأول هو إقناع الأمم المتحدة بتفعيل القرار 1701، الذي يقضي بأن تقوم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان بدوريات في المنطقة الحدودية بالتعاون مع الجيش اللبناني من أجل ضمان تراجع الحزب إلى ما وراء الليطاني. ويتطلب تنفيذ ذلك، اعطاء قوات اليونيفيل صلاحيات استخدام القوة، وهذا يعني انتشاراً دولياً ضخماً على استعداد لتحمل خسائر كبيرة. أما الخيار الثاني فهو إجبار الحزب على العودة إلى الضفة الأخرى من نهر الليطاني عن طريق القوة الاسرائيلية وإبعاده 18 ميلاً عن الحدود ما يمنع هجوماً مفاجئاً له على إسرائيل”.

يشك الدكتور خشان في أن يقبل “الحزب” بالتراجع الناعم، “بل ما أتوقعه هو إعادة لهجوم اسرائيل على جنوب لبنان عام 1978، إضافة إلى ضربات جوية مكثّفة، وهدف اسرائيل إبعاد خطر الحزب من اختراق الحدود نحو المناطق الشمالية، وتجنب خطر الصواريخ”.

أما احتمال إتجاه “الحزب” نحو التعاطي البراغماتي كالتفاوض لتطبيق القرار 1701 مقابل ثمن معين، فلا يجده هلال واقعياً، “فقد حاول الحزب ذلك عن طريق المقايضة برئاسة الجمهورية إلا أن الأمر أُفشل في مهده، ولا أعتقد أن اسرائيل ستتعامل مع الحزب على قاعدة خذ وهات ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية، مع العلم أن الحزب يهيمن على القرار السياسي اللبناني، فماذا يمكن أن تعطيه الادارة الأميركية؟”.

واللافت التسويق في المرحلة الأخيرة بأن قراراً أممياً آخر لا بد من أن يصدر ليضع حداً للحرب، إلا أن هلال يعتبر أنه “لن يكون هناك اصدار لقرار دولي جديد لأن لا وجود لحرب بين اسرائيل والحزب حتى الآن، إنما مناوشات لا تخرج عن سياق القرار 1701، وما سيحصل هو تطبيق هذا القرار فقط”.

في الواقع لا يملك القرار 1701 آلية تطبيق، وهذا ما يعترف به هلال، ويرى أن قوات “اليونيفيل” والجيش ليس لديهما القدرة على تطبيقه بالقوة، وقد حصلت احتكاكات عدة بين “الحزب” و”اليونيفيل” أدت مؤخراً إلى قتل جندي ايرلندي، لذلك يحتاج تطبيق القرار إلى عملية جراحية لا قدرة إلا لاسرائيل على تنفيذها، فكل بيت في جنوب الليطاني هو عبارة عن قاعدة لـ”الحزب” إضافة إلى مخازن السلاح.

نسأل هلال عن قدرة اسرائيل العسكرية على شن حرب برية على “الحزب”، فيرد: “ربما يستحضر البعض حرب تموز 2006 ليقول ان اسرائيل ستفشل، لكن لا بد من التذكير بأن العملية البرية التي قامت بها اسرائيل آنذاك كانت في آخر 72 ساعة من الحرب، وخصصت 10 آلاف جندي للقيام بتوغل سريع وغير طويل، فيما حشدت في غزة ما لا يقل عن 300 ألف جندي، وهنا الفرق كبير، وبرأيي اسرائيل لم يكن لديها استعداد للهجوم عام 2006، لكن هذه المرة سيختلف الموضوع وربما تبدأ بضرب المنازل وجرفها في المناطق الحدودية وتعتمد تكتيك الأرض المحروقة”. ويضيف: “لقد وضع الحزب نفسه ولبنان في وضع صعب بل أغرق الجميع في ورطة عندما قرر التضامن مع حماس، علماً أن هذا الأمر لا يقدّم ولا يؤخّر في مسار الحرب هناك”.

ويختم هلال: “على أي حال، لم تتوقف المساعي الدولية لتفعيل القرار 1701، ومن الواضح أن حرب غزة لم تنته وستأخذ وقتاً بعد، وهناك أمر في السياسة اسمه سياسة حافة الهاوية، ومن المتوقع أن لا يُقدّم الحزب تنازلاته دفعة واحدة، بل هناك مفاوضات طويلة وشاقة، ومن المبكر أن نتكلّم عن تطبيق القرار 1701. وليس مستغرباً أن ينحني الحزب أمام العاصفة في التوقيت المناسب لأنه حزب عقلاني، وهو يعرف ما قد يخسره في مواجهة عسكرية كبيرة مع اسرائيل، ويُفضّل أن يقوم بتنازلات يصنع لها غلاف المنتصر بدلاً من مواجهة يكون فيها الخاسر حتماً، وعلينا طرح السؤال أين سيذهب مليون شيعي في الجنوب؟ في النهاية سيقتنع الحزب بتقديم تنازلات والقبول بتطبيق القرار 1701”.

شارك المقال