الفراغ الثالث… (٢) هل يتسبب باسيل بشغور موقع قائد الجيش؟

زياد سامي عيتاني

يتصدر موضوع عدم إنتقال عدوى الفراغ الى منصب قائد الجيش، في وقت إجتاز الفراغ الرئاسي السنة، فيما مضت أشهر على خلو منصب حاكم مصرف لبنان. مضاعفات الشغور على رأس المؤسسة الأمنية العليا، التي ستكون كبيرة الوقع على الطائفة المارونية، تتجاوز خطورتها التوازن الوطني والميثاقي، لأنها تتعلق بصورة مباشرة وكبيرة بالمخاوف والتحذيرات بشأن إنزلاق الأمور في جنوب لبنان إلى مكان من الصعب الرجوع عنه.

ومع تجدد حرب الابادة العدوانية على قطاع غزة، التي تترافق مع توترات متصاعدة على الحدود الجنوبية اللبنانية، حول إحتمال بقاء المواجهات العسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل ضمن قواعد الاشتباك، كما كانت في المرحلة الأولى من الحرب، أم أن تطورات الميدان في غزة ستدفع بالأمور في لبنان إلى حرب موسّعة، تفوق بكلفتها وحجمها ما حصل في حرب ٢٠٠٦، تلقى لبنان ولا يزال رسائل تحذير أمنية من مختلف عواصم القرار، منبهة على خطورة توسع المواجهات على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية وتطورها، في حال خرجت عن السيطرة. وتعوّل هذه الدول على أهمية الدور الأساس والمحوري للجيش اللبناني إستناداً إلى القرار ١٧٠١، لجهة منع الانجرار الى حرب واسعة، من شأنها إشعال جبهة الجنوب، ما يقتضي ويتطلب بإلحاح أن يكون على رأس المؤسسة العسكرية اللبنانية قائد “أصيل”، ليتحمل مسؤوليته الأمنية والوطنية، الأمر الذي يدفع الدول الحريصة على إستقرار لبنان الى الدعوة بصورة متواصلة لمنع الشغور في منصب قائد الجيش.

هذه الدعوات لا تزال تلقى آذاناً صمّاء من البعض، تحديداً الوزير السابق جبران باسيل الذي لم ينكفئ عن المناورة بشأن التعاطي مع هذا الملف، متخلياً بممارساته الساقطة عن أدنى مقومات المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة البالغة الخطورة. وهذا ما تأكد بما لا يقبل الشك، خلال اللقاء المتوتر بينه وبين الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، وكذلك الاختلاف الكبير في وجهات النظر بشأن الموضوع نفسه بين باسيل والبطريرك بشارة الراعي، بحيث لم تثمر زيارة وزير الدفاع موريس سليم إلى بكركي عن الحد من نقمة البطريرك على مواقف باسيل المتعنة، التي تعوق مهمة ضمان إستمرارية سليمة لدور قائد الجيش. فباسيل لا يزال يمعن بكل “وقاحة” في إسقاط وإجهاض كل المخارج التي يدور النقاش السياسي حولها بشأن منع الفراغ في قيادة الجيش. في الوقت الذي يحظى فيه قائد الجيش العماد جوزيف عون بتأييد عربي وغربي، وشبه إجماع لبناني، اذ ان كل الاقتراحات الدستورية التي تم التداول بها، لإبقاء العماد عون في منصبه، كانت تقابل ولا تزال برفض قاطع من باسيل، غير آبه بالمخاطر التي ستنتج عن شغوره، وذلك لاعتبارات سياسية أنانية ترتبط بحساباته الضيقة.

والعماد عون الذي يغادر منصبه في قيادة الجيش مع بلوغه سن التقاعد في 10 كانون الثاني 2024، وسط شغور في المجلس العسكري، تصدر إسمه المشهد كمرشح محلي وخارجي لرئاسة الجمهورية، ما يثير “حساسية” باسيل، الذي رفض كل الصيغ التي تم التداول بها، تمديداً للعماد عون. المستغرب في مقاربات باسيل للموضوع، أنه وفي الوقت الذي يرفض فيه تعيين أعضاء المجلس العسكري الذي فقد نصابه القانوني منذ حوالي عام بعد تقاعد ثلاثة من أعضائه (من أصل ستة)، هم رئيس الأركان (درزي) والمدير العام للادارة (شيعي) والمفتش العام (أرثوذكسي)، وذلك إعتراضاً على أن تقر حكومة تصريف الأعمال تعيينات في مراكز الفئة الأولى، في غياب رئيس الجمهورية (!) يسوّق في المقابل، لتعيين قائد جديد للجيش ورئيس للأركان ومديرين للادارة والمفتشية العامة، عبر توقيع مرسوم جوال من الوزراء، بهدف الإتيان بأسماء ضباط يرشحها لهذه المناصب! فكيف يوافق على مراسيم جوالة موقعة من وزراء في حكومة تصريف أعمال، وفي الوقت نفسه يرفض أن تقر الحكومة نفسها تعيين مجلس عسكري جديد؟ والأغرب من كل ذلك، أن باسيل ذهب في إحدى “شطحاته” الى اقتراح تكليف العضو المتفرّغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب (كاثوليكي) بمهام القائد بمرسوم يصدر عن وزير الدفاع!

وإذا تجاوزنا المخاطر الأمنية وتهديد الاستقرار الداخلي في حال شغور منصب قائد الجيش، وقاربنا الموضوع من الجانب السياسي بأبعاده الوطنية، فإنه إذا ما وقع الشغور في قيادة الجيش، فهذا سيعني شغور مختلف المواقع المارونية العليا من رئاسة الجمهورية، وحاكمية “المركزي” وقيادة الجيش، ما يترتب على ذلك أزمة كبيرة لدى الطائفة المسيحية، ستتسبب بأزمة ميثاقية عميقة على صعيد التوازنات الوطنية “الطوائفية” التي يقوم عليها لبنان. “الشهوانية” الباسيلية السلطوية، تسقط مجدداً الادعاءات المزعومة بإستعادة حقوق المسيحيين!

اقرا ايضاً:

  1. الفراغ الثالث… (١) هل يكون الجيش بلا قائد؟
  2. الفراغ الثالث… (٢) هل يتسبب باسيل بشغور موقع قائد الجيش؟
شارك المقال