معارك ضارية في خان يونس وأنحاء غزة وتوسع النزوح الى رفح

لبنان الكبير

تدور معارك عنيفة اليوم الخميس في قطاع غزة بين “حماس” والجيش الاسرائيلي في كبرى مدن القطاع، بينما دخلت الحرب الأشد دموية بين الطرفين شهرها الثالث منذ هجمات السابع من تشرين الأول.

واستحالت مساحات واسعة من القطاع المحاصر ركاماً ومباني مدمّرة، بينما تجاوزت حصيلة القتلى الفلسطينيين عتبة الـ 16200 شخص تشكل النساء والأطفال أكثر من 70 بالمئة منهم، بحسب أرقام وزارة الصحة التابعة لـ”حماس”.

وفي موازاة حملة القصف المدمر التي باشرتها رداً على الهجوم غير المسبوق لحركة “حماس”، تشن إسرائيل منذ 27 تشرين الأول هجوماً برياً في شمال غزة،

وسعت نطاقه إلى مجمل القطاع الصغير المحاصر والمكتظ بالسكان، ما يدفع المدنيين إلى النزوح إلى دائرة تضيق بصورة متزايدة في رفح قرب الحدود مع مصر.

وفي خان يونس، كبرى مدن جنوب قطاع غزة، بلغ الجنود الاسرائيليون بالمدرعات والجرافات وسط المدينة، بحسب ما أفاد شهود وكالة “فرانس برس”. ويحاول الجيش التقدم برياً باستخدام الدبابات والجرافات الضخمة، مدعوماً بإسناد جوي ومدفعي وبحري. وهو يخوض معارك ضارية في خان يونس، بالاضافة الى مدينة غزة، كبرى مدن القطاع الواقعة في شماله، ومخيم جباليا شمالاً.

وأكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قواته “تحاصر منزل السنوار” في خان يونس. وتتمهم اسرائيل السنوار البالغ 61 عاماً، قضى 23 منها في السجون الاسرائيلية، وخرج في صفقة تبادل للأسرى عام 2011، بأنه العقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى”، وهي التسمية التي أطلقتها “حماس” على هجومها المباغت الذي يعد الأسوأ في تاريخ الدولة العبرية.

وفي موازاة العمليات البرية، واصل سلاح الجو الاسرائيلي قصف مناطق عدة في غزة منها مدينة رفح التي نزح إليها قسم كبير من سكان القطاع. وتفيد الأمم المتحدة بأن 1,9 مليون شخص، أي 85% من إجمالي سكان القطاع، نزحوا جراء الحرب التي أدت الى تعرّض أكثر من نصف المساكن للدمار أو لأضرار.

وروى خميس الدلو لـ “فرانس برس” كيف اضطر الى الفرار من مدينة غزة ثم إلى خان يونس وصولاً إلى رفح، حيث يقيم مع عائلته في خيمة لا تقي برد الشتاء القارس. وقال: “كان هناك قصف ودمار. قاموا بإلقاء المناشير والتهديد والاتصال والمطالبة بالإخلاء والخروج من خان يونس، إلى أين سنذهب؟ إلى أين سنصل؟”.

وأفاد مراسل “فرانس برس” أن ثماني غارات جوية ضربت رفح ليل الأربعاء الخميس. وأعلنت وزارة الصحة مقتل 37 شخصاً على الأقل واصابة آخرين. وتم انتشال جثمان طفلة صغيرة لفت بقماش مزخرف بالزهور، من تحت الركام.

ظروف “تدعو إلى اليأس”

وقال مكتب نتانياهو على منصّة “إكس”: “إنّ الحكومة الأمنية المصغّرة وافقت مساء الأربعاء على إدخال حدّ أدنى من الوقود – الضروري لمنع حصول انهيار إنساني وتفشّي الأوبئة – إلى جنوب قطاع غزة”. وأوضح أن هذه “الكميّة الدنيا سيحددها بصورة دورية مجلس الحرب” الاسرائيلي الذي يدير المعركة ضدّ “حماس” وذلك تبعاً لتطوّرات الوضع الانساني في القطاع الفلسطيني.

وفي ظل تزايد حصيلة القتلى ونقص المواد الغذائية ونزوح الآلاف، استخدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للمرة الأولى منذ توليه الأمانة العامة في 2017، المادة 99 من ميثاق المنظمة، والتي تتيح له “لفت انتباه” مجلس الأمن الدولي إلى ملف “يمكن أن يعرّض حفظ السلام والأمن الدوليين للخطر”. وأفاد ديبلوماسيون أن مجلس الأمن سيجتمع غداً الجمعة للنظر في هذه الدعوة.

وكتب الأمين العام: “مع القصف المستمر للقوات الاسرائيلية، ومع عدم وجود ملاجئ أو حد أدنى للبقاء، أتوقع انهياراً كاملاً وشيكاً للنظام العام بسبب ظروف تدعو إلى اليأس، الأمر الذي يجعل مستحيلاً (تقديم) مساعدة إنسانية حتى لو كانت محدودة”.

ورد وزير الخارجية الاسرائيلي إيلي كوهين عبر منصّة “إكس”، معتبراً أنّ ولاية غوتيريش تمثّل “تهديداً للسلام العالمي”، وأن مطالبته بتفعيل المادة 99 والدعوة الى وقف لاطلاق النار في غزة “يشكّلان دعماً لمنظمة حماس الارهابية”.

وقال المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية ايلون ليفي للصحافيين: “نحن أيضاً نريد أن تنتهي هذه الحرب، ولكن لا يمكن إلا أن تنتهي بطريقة تضمن عدم تمكن حماس من مهاجمة شعبنا مرة أخرى”.

وقتل أربعة جنود إسرائيليين الأربعاء في المعارك في قطاع غزة، بحسب الجيش، الذي أعلن صباحاً أن قواته قامت “بقتل إرهابيين من حماس وقصفت عشرات الأهداف الارهابية” في خان يونس وداهمت مجمعاً عسكرياً لكتيبة جباليا المركزية التابعة لـ “حماس”.

كما قامت القوات البحرية الاسرائيلية “بقصف مجمعات عسكرية وبنية تحتية عسكرية تابعة لحماس باستخدام ذخيرة دقيقة وإطلاق قذائف”. فيما أكدت الحركة عبر تطبيق “تليغرام” أن “كتائب القسام” تخوض “اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في جميع محاور التوغل في قطاع غزة”. وأعلنت أيضاً استهداف آليات عسكرية إسرائيلية في بيت لاهيا شمال القطاع وخان يونس.

ويتواصل إطلاق الصواريخ من داخل قطاع غزة على إسرائيل، حيث تقوم الدفاعات الجوية باعتراض غالبيتها.

“منهارون”

وأثارت الحرب مخاوف من اتساع نطاق النزاع ليشمل جبهات إقليمية أخرى.

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول، تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل تبادلاً يومياً للقصف بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي، باستثناء هدنة الأيام السبعة التي بدأت اعتباراً من 24 تشرين الثاني.

وأظهر تحقيق أجرته وكالة “فرانس برس” ونشرت نتائجه الخميس، أنّ الضربة التي قتلت في 13 تشرين الأول صحافياً في وكالة “رويترز” وأصابت آخرين بجروح بينهم مصوران لـ “فرانس برس”، نجمت عن قذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية.

واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” الخميس أن هذا القصف يستدعي تحقيقاً في “جريمة حرب”.

كما تشهد الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، تصاعداً في التوترات منذ اندلاع حرب غزة. ومنذ السابع من تشرين الأول، قتل 259 فلسطينياً على الأقل بنيران الجيش الاسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وعلى صعيد الحاجات الانسانية في قطاع غزة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا) أن مدينة رفح باتت المنطقة الوحيدة في قطاع غزة التي توزّع فيها المساعدات بكميات محدودة فيما لم تعد تصل بصورة شبه كاملة تقريباً إلى خان يونس والوصول إلى المناطق الواقعة شمالاً غير ممكن.

وأقام فلسطينيون فروا من خان يونس على مسافة أقل من عشرة كيلومترات مخيماً مرتجلاً بواسطة شوادر وأغطية بلاستيكية وألواح خشب، فيما يهيم بعض النازحين حاملين صفائح بحثاً عن الماء.

وقال غسان بكر لـ “فرانس برس”: “اضطررنا الى القدوم هنا بلا مأوى بلا شيء. أمطرت علينا الليلة وكنا نائمين في الشارع. لا أكل لا خبز لا طحين”.

وأكدت أمل مهدي التي نجت من غارة “إننا منهارون، نحن بحاجة إلى من يدعمنا، إلى من يجد حلاً يخرجنا من هذا الوضع”.

شارك المقال