الحريري يرفع الحصانة عن عون: كلّنا تحت الحقيقة

رواند بو ضرغم

في اقتراحاته كافة، لم يخرج الرئيس سعد الحريري من عباءة احترام الدستور والتزام بنوده، ولم يتهرب من رفع الحصانات على المدعى عليهم في قضية انفجار المرفأ.

فمنذ أن طالب بالتحقيق الدولي لكشف تفاصيل انفجار المرفأ، بدءاً من وصول النيترات إلى بيروت، وصولاً إلى لحظة انفجارها، كان يعلم أن لا حصانة لأي أحد أمام المحاكم الدولية. وحتى مشاركة كتلته في التوقيع على عريضة نيابية، صوّرها المزايدون على أنها ضد رفع الحصانات، إلا أنها في الواقع تراعي الأصول الدستورية، وقرأ منها الحريري سطراً واحداً كذب خلالها المضللين والمزورين والكاذبين : “لأجل ذلك نتقدم بطلب اتهام، وبالتالي الإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، هذا يعني أن الحصانة طارت.

تجاوز الحريري كل حملات هدر الدماء وتشويه الحقيقة التي تعرض لها النواب الموقعون على العريضة النيابية، وأطلق اقتراح قانون في وجه المشككين بنيته في رفع الحصانة وضعهم خلاله في مأزق وحيرة، وكاد الحريري أن ينطق بالقول: هل يوقع التيار الوطني الحر على قانون يسلب رئيس الجمهورية حصانته ويضعه أمام المحقق العدلي؟! وهو أبرز المزايدين والداعين إلى رفع حصانة النواب لمثولهم أمام التحقيق، فهل عندما يصل “الموس لدقن الرئيس ميشال عون” سيبقى التيار الوطني الحر على إصراره على رفع الحصانات ورفع لواء عائلات الشهداء؟!

كل ما فعله الرئيس الحريري هو تطبيق الدستور، وهو ليس لديه أي أحد من المدعى عليهم محسوب عليه، ولكن عندما رأى أن هناك من يعمل بشعبوية ويستقطب الأصوات المسيحية ويطيح بالدستور، كالتيار الوطني الحر، وضعهم أمام امتحان تعليق العمل بالدستور ورفع كل الحصانات، ومثول رئيس الجمهورية ميشال عون أمام القاضي طارق بيطار، وخصوصاً أنه هو من قال إنه كان يعلم بوجود النيترات واستلم تقرير أمن الدولة، ولكن ليس لدى رئيس البلاد وقائد القوات المسلحة صلاحيات في المرفأ.

القرار الاستثنائي الذي اتخذه تيار المستقبل، هو اقتراح تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تمنح حصانة أو  أصولاً خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية، ولرئيس الحكومة، وللوزراء، وللنواب، وللقضاة، وللموظفين وحتى للمحامين. وهكذا يتساوى الجميع أمام حجم هذه الجريمة، ويذهب الجميع عند المحقق العدلي، ولا يعود هناك من مظلة فوق رأس أحد. وهكذا لا يعود فعلاً هناك شيء اسمه حصانات ولا محميات ولا امتيازات.

فبالإضافة إلى الجانب الإيجابي لاقتراح الحريري الجريء الذي يرقى إلى مستوى الاستحقاق الوطني بحجم حقيقة جريمة المرفأ، الا أنه يتطلب أمرين: أولاً، هو بحاجة إلى حكومة أصيلة لأنها هي من يجب أن تحول مشروع قانون تعليق بعض مواد الدستور إلى المجلس النيابي، وثانياً، الحاجة إلى دورة انعقاد عادية للمجلس النيابي أي إلى شهر تشرين الأول في حال تمكن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من تأليف الحكومة، وهذا الأمر يستصعبه المطلعون على شروط رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الحكومية. فمشكلة هذا الاقتراح أنه يتطلب وقتاً لكي يصبح نافذاً، ويتطلب أصوات ثلثي مجلس النواب.. فهل يشق طريق التنفيذ؟ وهل يستطيع القاضي طارق بيطار أن ينتظر تعليق المواد الدستورية ليستكمل تحقيقاته؟

الرئيس الحريري على ثقة بأن العديد من الكتل النيابية ستوقع على اقتراحه، ووفق معلومات موقع لبنان الكبير، فإن الحريري يتشارك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في حرصه على التزام الدستور وتطبيق بنوده، وفي حالتنا هذه، الالتزام بتطبيق المادتين 70 و 71 منه المتعلقتين بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لذلك فإن كتلة التنمية والتحرير ستوقع اقتراح القانون من باب إظهار حسن نية بأنها ترفع الغطاء عن وزيريها المحسوبين عليها (علي حسن خليل وغازي زعيتر) للتحقيق معهما، وحتى ينتشل المجلس النيابي من عبء اتهامه بعدم رفع الحصانات وعرقلة سير العدالة.

القوات اللبنانية التي تقود معركة رفع حصانات النواب، يجب أن توافق على رفعها عن الجميع، وفي صراعهم السياسي مع التيار الوطني الحر، فمن مصلحتهم التوقيع على اقتراح قانون الحريري، لأنه يطال رئيس الجمهورية، وهي تعد معركة ناجحة عشية الانتخابات النيابية، لأن التوقيع على رفع الحصانات عن الجميع من غير التلطي خلف حماية الموقع الرئاسي المسيحي الأول، يقرن أقوالهم بالسعي إلى كشف الحقيقة بأفعال، ويُكسبهم أصواتاً انتخابية وخصوصاً أن أكثر المناطق تضرراً جراء انفجار المرفأ مسيحية.. وكذلك التكتل الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي والنواب المستقلون فسيوقعون على هذا الاقتراح، أما التيار الوطني الحر فلن يوقع على رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية وسوقه كغيره إلى التحقيق أمام القاضي طارق بيطار بحجة الحفاظ على قدسية الموقع الماروني الأول وحتى على حساب الحقيقة العادلة والكاملة.

إقرأ أيضاً: اعتذار الحريري من مخرج إلى مشكلة للداخل والخارج

ماذا عن حزب الله الذي تشارك وكتلتا المستقبل والتنمية والتحرير في توقيع عريضة الاتهام النيابية، فهل سيتشارك معهما أيضاً في توقيع تعليق العمل ببعض مواد الدستور ورفع الحصانات عن الجميع للتحقيق معهم أمام المجلس العدلي؟

وفق معلومات موقع لبنان الكبير فإن حزب الله الذي يدافع عن الوزراء النواب بعد الادعاء عليهم من قبل القاضي بيطار، لن يقبل بالتحقيق مع حليفه رئيس الجمهورية، على الرغم من التباينات السياسية التي تحكم علاقتهما وانقطاع التواصل حالياً، لذلك من المتوقع أن لا يوافق حزب الله على اقتراح كتلة المستقبل، وقوفاً عند رأي التيار الوطني الحر، والتزاماً بتفاهم مار مخايل حتى نهاية عهد عون..

فالأيام كفيلة بكشف حقيقة كل من يريد أن يحتمي بحصانته، وكل من يريد التنازل عنها، وإن حق أهالي شهداء المرفأ هو في معرفة الحقيقة كاملة من غير استنسابية ولا شعبوية، خالية من المصالح الانتخابية والطموحات الرئاسية.

شارك المقال