قرار تطبيق الـ1701 إتّخذ… فما هي خيارات “الحزب”؟

جورج حايك
جورج حايك

الخطر الذي يعيشه لبنان منذ 7 تشرين الأول الفائت نتيجة قرار “حزب الله” التضامن عسكرياً مع حركة “حماس” في غزة عبر فتح جبهة الجنوب وتصاعد الاشتباكات اليومية بين “الحزب” واسرائيل، دفع المجتمع الدولي ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة الأميركية الى التحرك جدياً بهدف تنفيذ القرار 1701 من دون مواربة ومناورات وخداع.

وترى مصادر في المعارضة أن هذا التحرك الدولي ما كان حصل لو لم تصل معلومات أكيدة الى باريس وواشنطن بأن اسرائيل عازمة بكل جديّة على تطبيق القرار 1701 ولو حتى بعملية عسكرية تُبعد “حزب الله” عن الحدود، لذلك نرى “هجمة” ديبلوماسية بعضها علني وبعضها الآخر سريّ، لإفهام المسؤولين اللبنانيين خطورة الموقف، وبالتالي لا مجال للمناورات، فالقرار إتخذ وتصريح وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت كان واضحاً بأن اسرائيل ستستخدم كل الوسائل المتاحة لديها بما فيها العمليات العسكرية لدفع “الحزب” إلى التراجع إلى شمال نهر الليطاني.

لا مجال للتذاكي، فالوقت يمر، وربما ما يرجئ العملية الاسرائيلية البرية عاملان: الأول حماوة المعارك في جنوب قطاع غزة، وتركيز اسرائيل على حسم المعركة ضد “حماس”، والثاني إعطاء وقت للمفاوضات التي تجريها فرنسا والولايات المتحدة مع المسؤولين اللبنانيين، وإفهام “الحزب” الرسائل قبل فوات الأوان.

لكن الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب يؤكد أن “الحزب وافق على القرار 1701 عام 2006 الذي وقّعت عليه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وكان ممثلاً بالوزير محمد فنيش، علماً أنه في مندرجات القرار يتضمن القرار 1559، يعني أن لا يكون هناك في لبنان سلاح خارج السلاح الشرعي الممثل في الجيش اللبناني، لكن ما حصل لاحقاً في الحكومات اللاحقة وبضغط من الحزب تمّ اعتماد معادلة جيش وشعب ومقاومة في كل البيانات الوزارية باستثناء بيان الحكومة الحالية الذي إكتفى بالكلام عن وجوب تحرير أرضنا المحتلة عبر الوسائل كافة، وبالتالي هذا أمر مرتبط بعملية تنفيذ القرار 1701”.

ويقول ملاعب: “ان الحزب، بناء على ذلك، يعتبر أنه يقوم بواجبه الوطني أي الدفاع عن وطن وتحرير أرض، وبموضوعية منذ العام 2006 وحتى 7 تشرين الأول 2023 لم نشهد أي احتكاك أمني بين الحزب واسرائيل، ولا حتى تجوّل بلباس عسكري ولا أي وجود مسلّح في الجنوب وتحديداً في بقعة انتشار اليونيفيل من الليطاني حتى الحدود. من هنا كان القرار 1701 محترماً من الطرفين، وهناك دوريات للجيش اللبناني واليونيفيل كانت تحرص على تطبيقه”.

لا شك في أن المشهدية العامة التي يصفها ملاعب ليست بعيدة عن الواقع، ولو كان كل بيت في الجنوب مدججاً بسلاح “الحزب”، إضافة إلى مخازن السلاح والصواريخ المنتشرة هنا وهناك، ودوريات “اليونيفيل” تتعرض لاعتداءات أدت إحداها إلى قتل جندي ايرلندي، وبالتالي وجود “الحزب” ما بعد الليطاني وحتى الخط الأزرق مقنّع، وما يحصل منذ 7 تشرين الأول الفائت لا يمكن فهمه تحت أي مسمّى، أكان نصرة للقضية الفلسطينية، أو ارضاء لبيئة “الحزب” الناقمة عليه نتيجة الوعود الفارغة التي يطلقها الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله بإزالة اسرائيل منذ العام 2006.

مع ذلك، يلفت ملاعب إلى أن “الحزب” مقتنع بأنه لم يتجاوز القرار 1701 لأنه ملتزم بقواعد الاشتباك، وهي تعود إلى العام 1996 إثر عملية “عناقيد الغضب”، وقد طوّرها “الحزب” بحيث يقصف المواقع العسكرية الاسرائيلية، وترد الأخيرة على منصات اطلاق الصواريخ أو على الأحراج. لكن لا شك في أن “الحزب” هو من بدأ بإطلاق الصواريخ في 8 تشرين الأول الفائت، لكن هذا لا يعني أن هناك نيّة لدىيه بتوسيع الاشتباكات، ويبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أخذ وعداً من “الحزب” بعدم التصعيد أكثر والابقاء على قواعد الاشتباك.

إلا أن مصادر المعارضة، تعتبر أن “مسألة قواعد الاشتباك غير مدرجة في القرار 1701، بل هي اختراع من حزب الله وبالتالي هو يجازف بلبنان، ولا أحد يضمن عدم توسّع الحرب، والتهديدات الاسرائيلية جديّة ورسائل الموفدين الفرنسيين والأميركيين كانت واضحة ومضمونها تنفيذ القرار 1701، وتحديداً البند الثامن منه الذي يشدد على إقامة منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية”.

وتشير المصادر إلى أن “المسؤولية تقع على عاتق قوى 8 آذار والحكومات المتعاقبة التي شرّعت الدور الميليشيوي للحزب عبر الثلاثية الخشبية، جيش وشعب ومقاومة! فكان أن أضاعت فرصة بسط السلطة سيادة غير منقوصة على كل لبنان، وتستمر اليوم في إدارة الظهر للمخاطر الداهمة، كما الانهيار الداخلي المالي والاقتصادي والاجتماعي. تتسلى بالتافه من الأمور، والبلد متروك مقطوع الرأس، والفراغ والتسيب يعمّان مؤسسات السلطة. وتعاطي الحكومة الحالية إذا بقي مستهتراً بالتهديدات الاسرائيلية فقد يدخل الجنوب اللبناني في كارثة”.

أما ملاعب فيؤكد أن “ثمة حراك دولي قوي لتنفيذ القرار 1701 بالكامل وتوافد ممثل الرئيس الفرنسي جان ايف لودريان ثم مدير المخابرات الفرنسية برنار ايمييه وتنقّله بين لبنان واسرائيل والكلام عن إمكان زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى جنوب لبنان، قد يعطي دفعاً بإتجاه التهدئة بحثاً عن مخارج، وعلينا أن لا ننسى المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية إذ بقيت خمس نقاط من أصل 13 من الخط الأزرق الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2000، وفور اكتمال ذلك قد يأتي الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي نجح في ترسيم الحدود البحرية، لاستكمال الاتفاق على الحدود البرية، ومن شأن ذلك أن يريح اللبنانيين. وتبقى اشكالية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تحتاج إلى حل مع سوريا لتثبيت ملكيتها نهائياً، علماً أن المزارع احتلتها اسرائيل في حربها مع سوريا عام 1967. أنا أقول ذلك، لأن الحل قد يأتي من هذا الباب”.

لا شيء يؤكّد أن “حزب الله” سيرضخ لما يتّفق عليه في ترسيم الحدود البريّة، وهذا ما يوافق عليه ملاعب، مبرراً بأن “الحزب جزء من المحور الايراني المسؤول عن تمويله وتسليحه وقد لا ينصاع لقرارات الحكومة اللبنانية إذا تمّ ترسيم الحدود البرية”.

أما مصادر المعارضة فترى أن “الحزب لم يستوعب حتى الآن التهديدات الاسرائيلية والجهود الدولية الضاغطة لتنفيذ القرار 1701، وهو يعتبر أن الغربيّين وحلفاءهم العرب يعمدون الى تهديد السلم الأهلي في لبنان من خلال الكلام عن تنفيذ القرارَين 1559 و1701، فيما هو مَن يهدِّد السلم الأهلي، وهو الفريق الذي يرفض الالتزام بإجماع اللبنانيين، ويتمسّك بسلاحه غير الشرعي، ويصادر قرار الحرب، ويمنع أن يكون للبنانيين دولة واستقرار وأمن وازدهار، ويصرّ على إبقاء لبنان خارج الشرعية الدولية”.

وتوضح المصادر أن خيارات “الحزب” ليست كثيرة، الخيار الأول تنفيذ القرار سلمياً وتسليم الجيش و”اليونيفيل” المنطقة الممتدة من الليطاني حتى الخط الأزرق. الخيار الثاني رفض الانصياع للضغوط الدولية والاحتكام إلى الحرب وما قد تجلبه إلى لبنان من موت وبؤس. أما الخيار الثالث، فقد يكون عملية مواربة، فيقبل “الحزب” بالتراجع ثم يعود بعد فترة الى الانتشار كما هو الآن، لذلك يجب أن يكون تطبيق القرار 1701 مرفقاً بتعزيز القوات الدولية بما يلزم لتطبيقه بالقوة، إلى جانب صلاحيات واسعة للجيش اللبناني.

ويختم ملاعب: “إذا أردنا معرفة كيف سيتعامل الحزب مع الرغبة الدولية في تطبيق القرار 1701، فيجب أن ننتظر ما تقرره ايران المرجعية الأساسية للحزب وخصوصاً أن قراره ليس لبنانياً، ولو كان يأخذ في الاعتبار لبنان، لنسّق مع الجيش اللبناني، وأبلغه عن تحركاته وأسلحته وذخائره، فالحزب يعتبر مصالح إيران فوق كل إعتبار”.

شارك المقال