ملف الرئاسة في حصاد العام… ترحيل الى ما بعد غزة

محمد شمس الدين

افتتح عام 2023 السياسي بجلسة “مكهربة” للحكومة بعد أن حل الفراغ في رئاسة الجمهورية قبل انقضاء العام بشهرين، و10 جلسات انتخاب باءت جميعها بالفشل.

وأتت أول جلسة لانتخاب الرئيس في العام الجديد في 19 كانون الثاني، وكانت يتيمة على خلفية إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه سيتأخر عن الدعوة إلى الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس ما لم يرَ ما يعتبره “نوعاً من الاتفاق” على مرشح. وكانت المعارضة آنذاك ترشح النائب ميشال معوض، بينما الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” لم يكونا قد رشحا اسماً واضحاً بعد، على الرغم من أن مرشح الثنائي ضمنياً هو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فيما التيار ضد المرشحين، ولذلك كانت هذه الجلسات عبارة عن ميشال معوض ضد الورقة البيضاء. وظل المجلس النيابي من دون عقد جلسات حتى منتصف حزيران، بعد انسحاب معوض وتقاطع المعارضة مع “التيار الوطني الحر” على اسم الوزير السابق جهاد أزعور بمبادرة من النائب غسان سكاف، وكانت المرة الأولى التي يتنافس فيها مرشحان، بدل مرشح واحد والفراغ، بحيث صوّت الثنائي الشيعي لمرشحه فرنجية، الذي حصد 51 صوتاً، مقابل 59 لأزعور، وطار نصاب الجلسة، ومنذ ذلك الوقت لم تعقد أي جلسة لانتخاب رئيس.

ودخل البلد في مسار تعطيلي كاد أن يؤدي إلى فراغ في حاكمية مصرف لبنان، لو لم تتفق القوى السياسية على أن يحل محل الحاكم رياض سلامة نائبه الأول وسيم منصوري. وعلى الرغم من التهديدات التي تحل بالبلد، لم تتفق هذه القوى بعد على حل لأزمة الفراغ الرئاسي، بين إصرار من الثنائي الشيعي على الحوار، وتشدد من المعارضة على رفضه والتوجه الى جلسة انتخاب بدورات مفتوحة، وكذلك رفضت مبادرة الرئيس بري التي تقضي بحوار 7 أيام ثم جلسة بدورات مفتوحة.

وخلال هذا الأخذ والرد، كانت فرنسا تأخذ على عاتقها مبادرة لحل الفراغ الرئاسي، إلا أنها لم تلقَ صدى من المعارضة بسبب التبني الفرنسي لمرشح الثنائي فرنجية. وما لبثت الادارة الفرنسية أن أعادت حساباتها، وتخلت عن هذا الترشيح، وبدأت مقاربة جديدة، وصلت في نهاية الأمر إلى خيار المرشح الثالث، إلا أن هذا الأمر لم يوصل الى حل لأزمة الفراغ، بعد استمرار التصلب في مواقف القوى السياسية.

وما زاد الأزمة تعقيداً، هو الحرب في غزة، التي شنتها اسرائيل عقب عملية “طوفان الأقصى”، وانعكست على لبنان، توتراً يومياً على الحدود الجنوبية، بقصف متبادل بين “حزب الله” والقوات الاسرائيلية، حتى أن المجتمع الدولي والخماسية الدولية لم تعد الأولوية لديهما انتخاب رئيس للجمهورية، بقدر أولوية التهدئة على الحدود، وهذا ما كان بارزاً في آخر زيارة للمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، وكان هم الجميع التشديد على تطبيق القرار 1701، وحل أزمة قيادة الجيش التي يتهددها الفراغ، وكذلك الأمر بالنسبة الى دولة قطر التي حاولت أن تحقق خرقاً في جدار الرئاسة الصلب، وفشلت في ذلك كما فرنسا، بحيث كان واضحاً من الجولة البعيدة عن الاعلام للموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني، أنه يسعى الى حل عقدة قيادة الجيش أكثر من حل عقدة الرئاسة.

إلى أين؟ هو السؤال الأبرز لدى كل الشعب اللبناني، البلد واقف “على صوص ونقطة”، كما يقول المثل اللبناني الشهير، لا رؤية في الأفق حول ملف الرئاسة، ويبدو أنها رُحّلت إلى ما بعد حرب غزة، التي يقول الاسرائيليون انها ستستمر أشهراً، وفي هذا الوقت ما على اللبنانيين إلا الدعاء، أن لا تتوسع الحرب وتصل إلى بلدهم، فعندها لن يهم أي استحقاق، غير الرسو على بر الأمان.

شارك المقال