ميقاتي مكلّفًا… وطرابلس مشغولة بهمومها القاسية

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تتلقّف مدينة طرابلس خبر تكليف ابنها الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة العتيدة بالزخم عينه الذي اعتاد عليه أبناء المدينة حين كان يتمّ تكليف أيّ من أبنائها برئاسة الحكومة في فترات سابقة.

وبعد تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء في الساعات التي كان يتمّ تكليف ميقاتي فيها بالتشكيل، أدرك أهالي طرابلس تمامًا أنّ هذا السعر لن يتراجع أكثر أو يستقر على سعر موحد، وبالفعل ارتفع سعر الصرف مباشرة بعد التكليف، ما يُؤكّد أمام المواطنين أنّ سعر الصرف لعبة سياسية غير بريئة يتمّ التلاعب فيها في هذه المراحل الحساسة والصعبة التي تمرّ بها الدولة، ورافقت مرحلة التشكيل هذه كما سابقاتها.

وللمرّة الأولى، لا احتفالات ولا لافتات مناصرة ولا رصاص طائش زيّن سماء طرابلس بعد التكليف، وهي مرحلة لم يسبق لأبناء طرابلس مواجهتها، فأبناء المدينة لا يكترثون اليوم بالحكومة بقدر ما يهتمون بمشاكلهم والضغوطات الاقتصادية التي يُواجهونها.

ظروف قاسية يعيشها أبناء طرابلسمن من دون استثناء، وعلى الرّغم من معرفتهم وإدراكهم أهمّية تشكيل الحكومة والحاجة الملحة إليها، إلا أنّهم لا يُعيرون اهتمامًا للمستجدّات السياسية بقدر ما يكترثون بكيفية النوم في ظلّ ارتفاع درجة الحرارة ونسبة الرطوبة مع عملية قطع التيار الكهربائي وانقطاع المازوت عن معظم المناطق التي أعلن فيها أصحاب المولّدات عجزهم عن تشغيل مولّداتهم، ما أغرق المدينة بالعتمة الشاملة طيلة ساعات الليل ومع ساعات النهار أيضًا، الأمر الذي رفع منسوب الغضب ودفع الشوارع إلى الفوضى مع قيام البعض يقطع الطرقات، إطلاق النار والقنابل المضيئة… وغيرها من المظاهر المسلّحة التي تفاقمت ليلًا تعبيرًا عن غضب شعبي كبير.

طرابلس وميقاتي: بين مؤيّد ومعارض

انقسمت الآراء في طرابلس بين مؤيّد ومعارض لتكليف ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، وقد أيّد مناصرو ميقاتي هذه الخطوة معتبرين أنّه ” قدّا وقدود”، ولكنّهم في الوقت عينه يرون أنّ رئيسهم لا يملك عصا سحرية لتغيير هذا الوضع المشؤوم والميؤوس منه، في ظلّ تراكم الكثير من الأزمات على الصعد كافة.

أمّا المعارضون فهم يرون أنّ ميقاتي لم يُسعف مدينته كما يجب، وآخرون لم يهتموا بهذا الموضوع الذي لم يأخذ بعد حيّزًا من تفكيرهم بسبب أزماتهم الاقتصادية والضغوط المريبة.

مقرّبون من ميقاتي: لن نحتفل

من هنا، تقول رئيسة قطاع المرأة في تيار العزم جنان مبيّض لـ”لبنان الكبير”: “الرئيس ميقاتي يُواجه مهمّة صعبة للغاية لأنّ البلد منهار وعلى شفير الهاوية، ولكن ننتظر هذه الفرصة الأخيرة لأنّ المواطنين لن يتمكّنوا من تحمّل المزيد من الانهيارات والأزمات… وبالتأكيد من حقّ المواطنين انتقاد أداء الطبقة السياسية لأنّهم يعيشون مأساة بكلّ معنى الكلمة”، مؤكّدة أنّ طرابلس استقبلت تكليف ميقاتي بكثير من الأمل والرجاء والترقب، وأعتقد أنّ أيّ حديث عن احتفال بالتكليف هو خارج المنطق والعقل، “لأنّ الناس موجوعة ولا يُمكن لأحد التعبير عن فرح في ظلّ هذه الأوضاع، حتّى ولو تمّ تشكيل الحكومة وهذا ما نتمناه، إلّا أنّنا لن نحتفل أبدًا وبلادنا تعيش هذه الظروف الصعبة”.

وعن التقارير التي نشرت إعلاميًا، تُضيف: “كل ما يُحكى ويُنشر هو عبارة عن تلفيقات وافتراءات يعلم القاصي والداني أنّها مفبركة وتستهدف فقط التشويش السياسي”.

مقرّب من ميقاتي، يُؤكّد لـ”لبنان الكبير” أنّه تمّ توزيع صور مناصرة لميقاتي فقط لا غير، ولكن لا توجه لأيّ احتفال مهما كانت النتيجة”.

ويقول: “تُعدّ خطوة ميقاتي هذه آخر خرطوشة لهذا العهد، ولو استقرّ سعر صرف الدولار قليلًا لوجدنا الناس مرتاحة أكثر لهذا التكليف، ولكن تبقى الأجواء العامّة غير مرضية ولا أفق يشجع المواطنين على أيّ خطوة…”.

تشكيل الحكومة أساسي

ويرى المحامي خالد صبح أنّ أولويات الناس اليوم تبقى في مكان آخر، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لا أحد ينكر حيثية الرئيس ميقاتي قي طرابلس، إلا أنّ أولويات الناس وهمّها في مكان آخر، لأنّ الطرابلسيين كما كلّ اللبنانيين يُعانون من الوضع الاقتصادي والأزمة المالية وانهيار منظومة الحماية الاجتماعية، ويبقى هم اللبنانيين اليوم في ضرورة تشكيل حكومة قادرة على لجم الانهيار وتأمين الدعم الدولي عبر خطط وتصوّرات لمعالجة الانهيار المالي وتأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة، والأهم إجراء الانتخابات في موعدها، لأنّه لا تغيير إلّا من خلال انتخابات نيابية تُواكب تطلّعات الناس وتكون فرصة للتغيير، والحقيقة أنّ الناس باتت تُعاني كثيرًا والعوائل عاجزة عن تأمين قوت يومها وكفرت بكل السياسيين، سواء أحببت أو كرهت”.

معارضون: خدمات غير كافية

بدورها، تعتبر غادة، أنّ همّ مدينة طرابلس أكبر بكثير من فكرة التكليف، وتقول: “طرابلس بلا كهرباء منذ أيّام، وميقاتي لا يتحمّل وحده مسؤوليته مدينته فهناك الكثير من المسؤولين في طرابلس وأغنياء أيضًا، ولكن لم يكن يستوجب عليه الموافقة على التكليف”.

إقرأ أيضاً: في عتمة ليالي طرابلس… مصادرة صهاريج ورقص

أمّا رامح، فيستغرب تهنئة البعض لميقاتي بهذه الخطوة، ويقول متسائلا:” كيف يُمكن لطرابلسيين يعيشون معنا في هذه البقعة الجغرافية التعيسة القيام بتهنئة ميقاتي ونحن بلا أدوية ولا كهرباء ولا نتمكّن من الدخول إلى المستشفيات، وهم يقومون وبكلّ بساطة بتهنئته… في أيّ كوكب يعيشون؟”.

من جهته، يرى نادر من القلمون أنّ لا حلول مرتقبة حتّى بعد احتمال تشكيل الحكومة، فيما يُشير عمر بارودي إلى مناصرته لمشروع السفير نواف سلام ولا يُريد حكومة يرأسها ميقاتي حاليًا.

شارك المقال