قرار إسرائيلي باستئصال “الشهود” الصحافيين على جرائمها الوحشية

منى مروان العمري

تخطى عدد الشهداء الصحافيين جراء الهجمات الاسرائيلية على قطاع غزة خلال الشهرين الفائتين، حصيلة من قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي راح ضحيتها عشرات الملايين وتوصف بـ”الحرب الأكثر دموية” في التاريخ الحديث، وحرب فيتنام (1955-1975) والحرب الكورية (1950-1953) بحسب إحصاء مؤسسات خاصة. ويواصل جيش الاحتلال استهداف المدنيين والصحافيين وعائلاتهم في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، على الرغم من اعتبار هذا الاستهداف المتعمّد “جريمة حرب” بموجب القانون الانساني الدولي.

لذا، أعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تشرين الثاني الفائت، أنها تقدّمت بطلب لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين خلال العنف الاسرائيلي في فلسطين. وبحسب المكتب الاعلامي الحكومي في قطاع غزة، إرتفع عدد الصحافيين الشهداء إلى 73، منذ عملية “طوفان الأقصى”، أي أن صحافياً واحداً على الأقل استشهد على أيدي قوات الاحتلال كل يوم في فلسطين ولبنان منذ بداية الحرب.

مجذوب: لمحاسبة المسؤولين عن انتهاك القانون

وأفادت منظمة العفو الدولية منذ أيام بأن “تحقيقاً في الضربتَيْن الاسرائيليتَيْن على مجموعة تضم سبعة صحافيين في جنوب لبنان في 13 تشرين الأول الماضي، يكشف أن الهجوم الذي أودى بحياة الصحافي عصام عبد الله، الذي كان يعمل في وكالة رويترز وأصاب ستة أشخاص آخرين بجروح، يرجّح أن يكون هجوماً مباشراً على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب”.

وتحققت المنظمة الدولية من صحّة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود. وتشير النتائج إلى أنه كان واضحاً أن المجموعة تضم صحافيين وأن الجيش الاسرائيلي عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية.

وقالت نائبة مديرة المكتب الاقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، آية مجذوب في تصريح: “إن التحقيق الذي أجريناه في الحادثة يكشف النقاب عن أدلة مرعبة تشير إلى وقوع هجوم بلا رحمة على مجموعة من الصحافيين الدوليين الذين كانوا يقومون بعملهم في نقل أخبار العمليات الحربية. يحظر القانون الانساني الدولي بصورة تامة الهجمات المباشرة على المدنيين والهجمات التي تُشن بلا تمييز ويمكن أن ترقى إلى جرائم حرب”.

وشددت على وجوب “محاسبة المسؤولين عن انتهاك القانون عبر قتل عصام عبد الله وإصابة ستة صحافيين آخرين بجروح. لا يجوز أبداً استهداف أو قتل صحافي لمجرد أنه يقوم بعمله، كما لا يمكن السماح لاسرائيل بقتل الصحافيين ومهاجمتهم، ثم الافلات من العقاب. يجب إجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذا الهجوم القاتل”.

القصيفي: “العفو” تأخرت في إصدار تقريرها

رأى نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “منظمة العفو الدولية تأخرت في إصدار تقريرها بذريعة انتظار التحقيقات التي تجريها في موضوع اغتيال الصحافيين والاعلاميين على إختلاف قطاعاتهم المهنية في غزة وجنوب لبنان. ولم يكن من موجب لاهدار كل هذا الوقت من أجل الخلوص إلى الاستنتاج الذي كنا قد توصلنا إليه منذ اللحظة التي بدأت فيها الحرب على غزة. إذ بات واضحاً أن إسرائيل اتخذت قراراً بتصفية الصحافيين والاعلاميين الذي يتولون تغطية جرائمها على الأرض لئلّا يكونوا شهوداً دائمين على سلوكها الوحشي والمتعمّد تجاه هؤلاء الذي يوثقون بالصوت والصورة ما تقوم به من ممارسات مخالفة لأبسط قواعد حقوق الانسان، والمواثيق والعهود الدولية واتفاقية جنيف الرابعة، كما أن تل أبيب لا تريد أن تبقي أيّ أثر أو شاهد على تنكيلها بالأبرياء في غزه وجنوب لبنان”.

وأكد أن “التعاطي الاسرائيلي مع الصحافيين والاعلاميين في الجنوب، نسخة طبق الأصل عن أسلوب تعاملها مع الصحافيين والاعلاميين اللبنانيين، فتقتلهم وترديهم وتمعن في تشويه صورتهم باعتبارهم تابعين لهذه الجهة أو تلك، وليس كصحافيين يؤدون واجباً مهنياً على أرض معركة، مشمولين بحماية ورعاية المواثيق والأعراف الأممية والدولية واتفاقية جنيف الرابعة. بل إن ما يحصل في جنوب لبنان على هذا الصعيد يندرج في السياق نفسه، ولا يمكن فصله عن السياق المتبع في غزة مع الصحافيين والاعلاميين والمصورين والطواقم التقنية على الأرض، أي استئصال الشهود، وبعث رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر بأن الدولة التي لا تعبأ بالاعلاميين ولا تقيم وزناً لأي كان وأنها باقية على عهدها بالاجرام”.

أضاف: “ما زادها إجراماً هو أنها على الرغم من تغلغلها في عمق الاعلام الدولي ومفاصله وامتلاكها وسائل فاعلة في هذا المجال، تضايقت إلى أبعد الحدود من الاعلام الدولي والعربي الذي تمكن من إحداث تحول نوعي أيّاً تكن درجته في أوساط الرأي العام الدولي مديناً جرائم (بنيامين) نتنياهو وجيش الاحتلال وأجهزة مخابراته على تنوعها، ومحاولات اللوبيات الموالية للدولة العبرية الغاصبة رمي الشائعات والأخبار المضللة لطمس أكبر جريمة لم تعرف الانسانية أشد هولاً منها”.

ودعا الصحافيين والاعلاميين “مهما حصل من تطورات، وتمخضت عنه هذه الحرب، أن يظلوا بالمرصاد وينقلوا للعالم ما يحصل أولاً بأول، وأن يوثقوا مجازر العدو الاسرائيلي وجرائمه لأنهم هم الشهود والشهداء، والكتبة الأول لمسودة التاريخ”.

استهداف رغم الحصانة

جاء استهداف قوات الاحتلال للصحافيين على الرغم من أنهم يتمتعون بالحصانة بموجب القوانين الدولية، ويسعون إلى إيصال جرائم الحرب وهجمات الابادة الجماعية في غزة إلى العالم. ففي 13 تشرين الأول الماضي، استهدف الجيش الاسرائيلي منزل المصوّر الصحافي في وكالة “الأناضول” علي جاد الله في غزة، ما أدى الى فقده ما لا يقل عن 8 أفراد من أسرته بمن فيهم والده وإخوته.

وفي التاريخ نفسه، فقد مصوّر وكالة “رويترز” عصام عبد الله في لبنان حياته وأصيب 6 إعلاميين جراء استهدافهم من القوات الاسرائيلية جنوبي لبنان. وأكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تحقيقاتها بالحادثة تعمّد اسرائيل استهداف الصحافيين على الرغم من وضعهم إشارة “صحافة” على ملابسهم. وفي 21 تشرين الثاني، قُتلت مراسلة قناة “الميادين” فرح عمر، والمصوّر ربيع المعماري جراء غارة جوية إسرائيلية في بلدة طيرحرفا خلال متابعتهما التطورات على الحدود اللبنانية.

شارك المقال