اليوم العالمي لحقوق الانسان… حرب غزة تفرض زيادة التشبّث بها

منى مروان العمري

يحتفل العالم بالذكرى الـ75 لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10 كانون الأول، انطلاقاً من أن الانسانية جمعاء كانت بحاجة الى تحديد قواعد ومبادئ لنفسها، لضمان عدم تكرار الفظائع التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية. وتحلّ الذكرى هذا العام بالتزامن مع انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان في قطاع غزة وجنوب لبنان، تقترفها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم، الذي يغض الطرف عن عمليات الابادة والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، في ظل غطاء دولي غربي وانتهاكات علنيّة لجميع الأعراف والقوانين والتشريعات الدولية.

مناسبة الاعلان

صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان كأول وثيقة حقوقية دولية تمثل فهماً مشتركاً للبشرية حول شكل العالم المأمول بعد الحرب العالمية الثانية. ويقول الاعلان المؤلف من 30 مادة، في مادته الأولى: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”. وفي مواده الباقية التي تُرجمت الى أكثر من 500 لغة، يمثل الاعلان الوثيقة العالمية الأكثر اتفاقاً في تاريخ البشرية. فقد صدر في أعقاب أعظم حرب في التاريخ، راح ضحيتها عشرات الملايين، ونبّهت العالم على ضرورة إنتاج مبادئ مشتركة على مستوى عالمي من دون تمييز.

كما يعدّ هذا الاعلان محفزاً للعديد من الاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها دول ذات سيادة فيما بعد، وشكّلت ما يُعرف بالشرعة الدولية لحقوق الانسان. وفي الوقت الذي لا يُعتبر فيه الاعلان بحد ذاته قانوناً، إلا أنه يشكل المبادئ العرفية التي يُستشهد بها عند معالجة قضايا القانون الدولي لحقوق الانسان.

ويُعتبر الاعلان العالمي نصاً تأسيسياً في تاريخ حقوق الانسان والقانون الدولي في هذا الشأن، كما يمتاز بمكانته العرفية بحيث يتكرر الاستشهاد به كأكثر الوثائق المشتركة بين الدول، وهو ما دفع كثيراً من خبراء القانون الدولي إلى اعتبار بنوده تحمل إلزاماً قانونياً عرفياً.

“إحياء ذكرى” بدلاً من “احتفال”

ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان فولكر تورك دول العالم أمس، إلى العمل معاً لـ”التغلب على تهديدات مثل الحرب والتلوث”. وجاءت دعوته في فعالية لاحياء ذكرى مرور 75 عاماً على الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تخيم عليها الحرب الوحشية التي تنفذها إسرائيل على قطاع غزة.

واستحضر تورك، خلال الفعالية التي حضرها وزراء وديبلوماسيون وناشطون في جنيف، الروح التي تبنّت بها الأمم المتحدة حديثة النشأة آنذاك الاعلان في كانون الأول 1948 رداً على ما وصفتها الوثيقة بـ”الأعمال الوحشية التي أساءت إلى ضمير الانسانية”، وقال تورك: “أرى أن فعالية اليوم هي دعوة للأمل، ودعوة للعمل”. وأعرب عن أسفه إزاء الفشل في صراعات وحروب في إشارة إلى “ملايين الأشخاص الذين يعانون بشدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في غزة وإسرائيل”، بالاضافة إلى المجاعات والتمييز والقمع والتلوث.

وفي المراسلات المتعلقة بالحدث، الذي تستمر فعالياته ليومين، تحاشى مكتب تورك استخدام كلمة “احتفال” وفضّل بدلاً من ذلك استخدام كلمة “إحياء ذكرى”.

وفي ظل استمرار الجيش الاسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في غزة، تحاول الأمم المتحدة تجاوز العقبات السياسية التي تفرضها واشنطن وبعض قوى الغرب في وجه تفعيل آليات العدالة الدولية لمنع تداعيات أكبر للحرب المستعرة ضد القطاع المحاصر. وقام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخراً بتفعيل المادة 99 من ميثاق منظمته في محاولة لفرض وقف إطلاق نار في غزة، وهي مادة تعطي صلاحية للأمين العام بتنبيه مجلس الأمن إلى مسألة يرى أنها تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين.

وانعقد احتفال الأمم المتحدة بالاعلان العالمي لحقوق الإنسان غداة ثالث فشل لمجلس الأمن الدولي في تمرير مشروع قرار للمطالبة بوقف إطلاق النار بسبب حق النقض (الفيتو) الذي مارسته الولايات المتحدة. وتسبب التدخل الأميركي المعتاد لصالح الاحتلال عبر عقود طويلة في إفلات إسرائيل من العقاب، وإفشال تطبيق مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان وما نتج عنه من آليات قانونية دولية لمنع انتهاكات حقوق الانسان.

الأسمر: تغطية سياسية بامتياز لانتهاكات اسرائيل

في هذا الاطار، اعتبر رئيس “المجلس اللبناني لحقوق الانسان” وديع الأسمر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “ما يحصل في غزة سواء الابادة الجماعية أو التهجير القسري أو القصف العشوائي للمدنيين أو اغتيال الصحافيين أو الهجوم على المراكز الصحية، كل هذه الأعمال تنتهك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والمواثيق المتعلقة بحماية المدنيين والأبرياء في أوقات الحروب”، معرباً عن أسفه لأن “هذه الانتهاكات في غزة ولبنان تمارس بتغطية سياسية من الولايات المتحدة على إسرائيل، وهذه القوانين ليست لديها سلطة معنوية أو عملية لتردع ما يحصل من جرائم مرتكبة بحق الانسان”.

مرقص: لإعادة التفكير بآلية عمل الأمم المتحدة و”الفيتو”

أما رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي بول مرقص فقال لموقع “لبنان الكبير”: “هذا اليوم ليس ذكرى فولكلورية وحسب، بل هو تذكير بأن ما يجري حول العالم من انتهاكات لحقوق الانسان أمر مخالف للانسانية والحقوق الانسانية. وبالتالي ما يحصل اليوم من مجريات الأحداث وأكثر تحديداً الارتكابات في حرب غزة يفترض أن يزيدنا تشبّثاً بحقوق الانسان وعدم الكفّ عن المطالبة بهذه الحقوق”.

ورأى أن “حقوق الانسان منارة لن نبلغها أبداً، بل هي معايير نحاول تطبيقها وعلينا السعي دائماً الى هذا الارتكاز المفترض أن نعمل على أساسه، وإلا ليس أمامنا بديل سوى الحروب والقتل والاستنزاف. ما يجري في غزة يجب أن يكون محطة لاعادة التفكير بكل تركيبة الأمم المتحدة وآليّة عملها لاسيما مجلس الأمن الدولي وحق النقض (الفيتو) واستعماله، وكل ما يعطّل الأمن والسلم العالميين”.

شارك المقال