تخوف من خطوة مجنونة تهدد المؤسسة العسكرية… الحالة العونية معروفة بالتمرد

محمد شمس الدين

تتعرض القلعة الأخيرة من حصون الدولة اللبنانية، المؤسسة العسكرية، إلى حصار من بيت أبيها، بعد أن فشلت القوى السياسية في انتخاب رئيس للجمهورية الأمر الذي انعكس على المؤسسة، ودخل ملف قيادتها في بازار التجاذبات السياسية ما يشكل تهديداً خطيراً للبلد إن حل الفراغ في قيادة جيشه.

كالعادة “التيار الوطني الحر” يضع مصلحة رئيسه جبران باسيل أولوية على البلد ومصالحه، ويخيّر حتى أقرب حلفائه بين الخلاف معه أو السير وفق أهوائه، معرضاً البلد لمخاطر مهولة إرضاء لـ “صهر الجمهورية”.

وفيما يبدو أن هناك غالبية لدى القوى السياسية ستسير بالتمديد في قيادة الجيش، عبر مجلس النواب، حتى أن “القوات اللبنانية” تراجعت عن مبدأ رفض الجلسات التشريعية في ظل غياب رئيس للجمهورية لتمرير هذا الأمر، وكتل أخرى أعلنت السير به، يظل هناك تخوف من ربع الساعة الأخير، اذ لطالما كمن الشيطان في التفاصيل، وهنا قد يكون التفصيل، أن يقدم وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، على تعيين الضابط الأعلى رتبة لتسيير أعمال الجيش، إرضاءً لرئيسه باسيل، وهذا يعني أن الجيش سيكون أمام قيادتين، ولا يمكن لأي مؤسسة أن تُحكم برأسين، فكيف إذا كانت هذه المؤسسة هي العسكرية؟

ولكن هل يقدم باسيل على هذه الخطوة المجنونة؟ وكيف تنعكس على الجيش؟

الحالة العونية تحب الانقسام، وهذا واضح من خلال أداء الرئيس السابق ميشال عون عندما تسلم رئاسة الحكومة العسكرية بعد نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل في أواخر الثمانينيات، ورفض تسليم السلطة للشرعية المتمثلة بالرئيس المنتخب الياس الهراوي بعد اتفاق الطائف، وقاد تمرداً أدى الى انقسام الجيش، وانتهى بتدخل عسكري سوري لانهاء هذه الحالة.

وكذلك الأمر في الأداء السياسي لعون بعد عودته من المنفى، بحيث عطل الحكومات “لعيون صهر الجنرال”، بالاضافة إلى تعطيل البلد سنتين كي يصل الى رئاسة الجمهورية بعد أن توصل مع خصمه التاريخي “القوات اللبنانية” الى اتفاق معراب.

وحتى عندما حقق حلمه وأصبح رئيساً للجمهورية، لم يسلم البلد من النزعة التمردية لعون في الحكم، حيث عطل مراسيم وقوانين، بالاضافة إلى تعطيل تشكيل الحكومات، حتى يحصل على “الثلث المعطل” الذي يحاصر به الحكومة ورئيسها، عدا عن تخطيه كل الأعراف والقوانين في حكومة الرئيس حسان دياب، بمحاولة استبدال مجلس الوزراء بالمجلس الأعلى للدفاع، والموافقات الاستثنائية التي صدرت بعد استقالة حكومة دياب.

وفي أيامه الأخيرة كاد عون أن يشل ما تبقى من البلد، بعد رفضه تسلم حكومة تصريف الأعمال تسيير شؤونه، واعتبارها غير شرعية، على خلفية عدم انتخاب رئيس للجمهورية.

ويبدو أن جبران باسيل يحذو حذو عمه، فهو يرفض بصورة قاطعة التمديد لقائد الجيش جوزيف عون، كونه يعتبره مرشحاً منافساً لرئاسة الجمهورية، بالاضافة إلى عدم رضى باسيل عن تعامل العماد عون مع أحداث “ثورة 17 تشرين”، ويستعد اليوم لمجموعة خطوات تهدف الى ضرب التمديد لعون، أهمها الطعن بأي قانون يمدد له، أو قد يتجه الى الطريقة الأخطر، وهي تعيين قائد جيش بالوكالة عبر وزير الدفاع التابع له.

مصادر مرجعية سياسية أشارت في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “القانون أقوى من المرسوم، وبالتالي لا داعي لهذه الفرضيات”. وأكدت أن “ضباط المؤسسة العسكرية، حتى لو كان لديهم ميل سياسي، لن يسمحوا بعبث السياسيين بالمؤسسة، ويمكن لبعض صغار النفوس أن يصرخوا قدر ما يشاؤون، إلا أن طموحاتهم لن تتحقق على حساب الجيش”.

ورأى النائب السابق العميد المتقاعد شامل روكز أن “الجو الذي تخلفه المجموعة السياسية من كل الاتجاهات، يخلق بلبلة في المؤسسة العسكرية”، قائلاً لموقع “لبنان الكبير”: “إذا صدر قانون ما لحل الأزمة في قيادة الجيش، وتم الطعن به وقبول الطعن، فهذا يؤدي إلى شلل في المؤسسة عبر تصرفات غير مسؤولة، لا يمكن معرفة أين يمكن أن تودي بالبلد”.

وأشار روكز إلى أن “الرهان هنا على ضباط المؤسسة العسكرية واحساسهم بمسؤوليتهم، وإدراكهم أن هذه الطبقة السياسية سخيفة أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، وأنا إيماني بأن المؤسسة وضباطها هم خلاص البلد”، مشدداً على وجوب “أن يكون هناك طرح لحل الأزمة في قيادة الجيش غير المطروح، والحل هو عبر رئاسة الأركان”.

الجلسة التشريعية المدرج على جدول أعمالها بند التمديد لقيادة الجيش، الذي يمكن أن يدمج مع مشاريع قوانين أخرى للتمديد لمراكز مهمة غير الجيش، ستكون يوم الخميس، وهناك ترقب لخطوات “التيار الوطني الحر”، إن كان عبر وزارة الدفاع قبل الجلسة، أو بتقديم الطعن بعدها، ويبقى الرهان على أن لا يتأثر الضباط في الجيش بالخلافات السياسية.

شارك المقال