جولة “باسيلية” في طرابلس: رضى سياسي وبغض شعبي

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تكن جولة رئيس “التيّار الوطنيّ الحر” النائب جبران باسيل في طرابلس اعتيادية أو بسيطة بالنسبة الى الكثير من المراقبين شمالاً، فهذه الزيارة المتوقّعة والتي هدفت الى افتتاح شارع “مينو” في الميناء، تضمّنت رسائل سياسية من رئيس التيّار إلى هذه المدينة ونوابها، ومن المدينة إلى مختلف الفئات السياسية في خطاب أتى عقب جولة استهلّها بلقاء رئيس تيّار “الكرامة” النائب فيصل كرامي، النائب طه ناجي، الوزير السابق محمّد الصفدي، النائب السابق أسعد هرموش ونجله براء (الضنية)، ليُنهي لقاءاته بلقاء النائب السابق مصباح الأحدب.

ربما اللافت في هذه الزيارة أنّه كان ممهداً لها ولم تتضمّن زيارة موقع الافتتاح فحسب، بل شملت جولة سياسية أثارت الجدل على المستويين الشعبيّ والسياسيّ، إذْ لم يلتقِ باسيل بمن يُناصر خطّه السياسيّ فحسب، بل عمد الى زيارة شخصيات سياسية مختلفة لكنّها لا تحمل ثقلاً سياسياً طرابلسياً وسنياً، كما أنّها شملت نواباً سابقين من المستغرب أنّهم قاموا باستقباله، مثل زيارته إلى الأحدب الذي كان حمل لواء الثورة طيلة الأعوام الماضية، أو زيارته إلى الصفدي “المختفي” عن الساحة السياسية منذ زمن.

من هنا، يُعلّق مصدر سياسيّ على زيارة باسيل (التي تجاوزت هذه المرّة قيوداً كانت تُرى أنّها “خطوط حمر بسبب المعارضة الشعبية له، وهذا ما يوضح توسّع جولاته السياسة)، بأنها كان يُمكن أنْ تشمل شخصيات أكثر في ظلّ عدم رفضه الالتقاء بأيّ شخصية لتوسيع نفوذه السياسيّ شمالاً وتحديداً في طرابلس، “لكن القلق يكمن في موافقة النواب الطرابلسيين على استقباله وما سينتج عنه من رد فعل ينعكس سلباً عليهم، إذْ يخجل بعض النواب من هذه الخطوة لاعتبارين، أولهما سياسيّ قائم على توافقات وتحالفات سياسية لا يُمكن تجاوزها حالياً، وثانيهما اعتبارات شعبية معروفة”، وذلك وفق ما يرى المصدر.

كما بدا لافتاً أيضاً أنّ الجولة كانت منظمة ومعلنة على خلاف الزيارات “الخاطفة” السابقة التي كانت تحصل بطريقة “سرية” أحياناً وسريعة من دون الاعلان عن جدول محدّد وهدف معيّن، وسبقتها زيارة قام بها في 18 أيلول الماضي للاطّلاع على تفاصيل مشروع إعادة ترميم المنطقة وتجميلها. ووفق مصادر “التيّار” فإنّ هذه الزيارة كان من المفترض أن تحصل في شهر تشرين الأوّل، لكن أحداث غزّة وتطوّراتها حالت دون ذلك، بحيث أرجئت مع تأجيل الكثير من النشاطات الحزبية إلى يوم “طرابلسيّ” حافل كان سجّل أحداثاً رافقت هذه الزيارة المرحّب بها “سياسياً” والمبغوضة “شعبياً”.

في الواقع، لا يُخفي المراقبون انتقادهم لا لزيارة باسيل (التي كان شدّد بعض رجال الدّين في المدينة على عدم تعقيدها أو منعها حرصاً على القيم الاسلامية التي تحضّ على احترام الضيف)، بل انتقاد خطابه الذي كان يحمل رسالة طرابلسية ومحلية، ففي وقتٍ يغيب فيه معظم نواب المدينة عن الصورة، جاء باسيل ليُذكّرهم بسبعة مشاريع لطرابلس بقيمة مليار ونصف المليار دولار عندما كانت حقيبة الطاقة في عهدته، (من معمل دير عمار إلى محطة التغويز في ميناء طرابلس ومحطة الصرف الصحي وخط الغاز الساحلي ومصفاة البداوي فمحطة التخزين النفطي في دير عمار)، والتي منع تنفيذها على حدّ قوله، في عودة منه الى نهج الـ “ما خلونا”. وفي الوقت عينه انتقد تجاوزات الدستور وحضّ على الحوار والسلام، وسط أجواء شعبية لا توحي بقدرة الأهالي على تقبّل سلامه بعد أعوام كان يراهم فيها كداعشيين وفق ما يقول الكثير من المواطنين الذين ينتقدون نوابهم قبل نواب آخرين خارج دائرة الشمال الثانية.

الترحيب السياسيّ العام كان رافقه تنسيق، انتشار وتشدّد أمنيّ لزيارة كان من المتوقّع أنْ تُثير غضب الكثير من الطرابلسيين المعارضين لنهج رئيس التيّار البرتقالي، ما دفع البعض إلى التوجه إلى الشارع اعتراضاً منه على الزيارة، مطلقاً شعارات مختلفة أبرزها: “لا أهلاً ولا سهلاً بك” مع رشق موكبه بالبندورة والبيض، فيما اعتدى أحد العناصر الأمنية المرافقة للموكب على المحتجين، ما أدّى إلى إصابة أحد المسنّين ويُدعى أحمد التركمان الملقّب بـ “أبي جمال” بكسور ورضوض في رأسه وفق المعطيات مع شخص آخر، ما استدعى دخولهما إلى المستشفى الاسلامي.

وتُؤكّد أوساط شعبية لـ “لبنان الكبير” أنّ الرجل المسنّ كما المعترضين “ميدانياً” كانوا قلّة ولم يقم أيّ منهم بحركة استفزازية أو معيبة بحقّ الموكب و”قائده”، كما لم يقم أحد برمي قنبلة أو توجيه رصاصة تفتح المجال لأحد عناصر المديرية العامّة لأمن الدولة للتدخّل ضدّ مجموعة تضمّ عشرات من المواطنين (الذين لم يعتدوا حتّى لفظياً على باسيل، خلافاً للشعارات التي كانت موجودة خلال ثورة 17 تشرين الأوّل 2019) ثمّ الاعتداء على رجل سبعينيّ.

يُمكن القول إنّ حركة العنصر كانت صادمة وغير متوقّعة، وكانت أثارت غضباً شعبياً والكترونياً، وفيما انتشرت معلومات صحافية تلفت إلى أنّ المتظاهرين كانوا “مدفوعين” من تيّاريّ “المستقبل” و”العزم” للتشويش على الزيارة نظراً الى عدم رغبة الطرابلسيين في إتمامها، يُؤكّد مصدر سياسيّ شماليّ لـ “لبنان الكبير” أنّ هذه التجمّعات لم تُنظم سابقاً لأنّ المعترضين لم يكونوا يُدركون توقيت زيارات باسيل السابقة. ويقول: “إنّ الزيارة متوقّعة وكانت مدروسة، وكان يُمكن لهذه الشخصيات (لو كانت مدسوسة) كما يُقال، أنْ تجمع أكبر عدد منها لتنظيم تجمّعات مئوية مثلاً، لكنّها تبدو تجمّعات عفوية عبّرت على الأرض عمّا تُريد وتشعر”.

ويُؤكّد مصدر “التيّار” لـ “لبنان الكبير”، أنّ المقطع المصوّر يُشير إلى أنّ العناصر الأمنية تتحمّل مسؤولية ما حدث وهو أمر أمنيّ يرتبط بتجهيزاتها، “فلا علاقة للتيّار الوطنيّ بهذه الاجراءات أو التوجيهات، وفي الثورة التي سمعنا فيها الشتائم بحقّ التيّار ورئيسه لم نتخذ أيّ إجراء أو ردّ فعل عنيف، وبالتأكيد لن نقوم بأيّ خطوة حالياً”، موضحاً أنّ “الترحيب السياسيّ الذي قد يكون معلناً أم لا، كان كبيراً وواضحاً، إذْ لم ترفض جماعة العزم هذه الزيارة ولم يتحرّك أيّ منهم سلباً ضدّها، كما لم يكن النائب أشرف ريفي معارضاً لها، ونحن ندرك تماماً أيّ جهات سياسية رفضت، لكن نستغرب الرفض الشعبي في وقتٍ رضي فيه النواب بهذه الزيارة، مع العلم أنّ نوابهم انتخبهم الشعب وذلك في مفارقة عجيبة”.

في الواقع، يتساءل عدد لا يُستهان به من المواطنين عن سبب هذه الزيارة، التي يُقال انّها مزجت بين الهدفيْن التنموي والسياسيّ، ولكن حسب المصدر فإنّها “تهدف بصورة رئيسة الى افتتاح شارع مينو الذي عملنا على إنجازه منذ أشهر بترحيب من المنطقة وجوارها، ولا نجد مانعاً لهذه الزيارة التي يُمكن أن تفتح الباب أمام مشاريع جديدة لصالح طرابلس وغيرها، ما يفتح باب التواصل الذي لم نغلقه يوماً، حتّى أمام بعض الثوار الذي كان تواصل مع بعض الفاعلين للترحيب بالترميم والثناء عليه، ما يعني أن لا حواجز نبنيها ضدّ الآخر بل نتواصل مع الجميع”.

كلمات البحث
شارك المقال