لا ثقة!

صلاح تقي الدين

من المتعارف عليه في الجلسات البرلمانية اللبنانية أن يجري التصويت على منح الثقة بالحكومات التي تمثل أمام البرلمان لنيل ثقة النواب المنتخبين بالمناداة، فمن يوافق على البيان الوزاري للحكومة الماثلة أمامه يعلي الصوت بكلمة “ثقة” ومن لا يوافق يصدح صوته عالياً: “لا ثقة”، وهذه هي حال الكتل النيابية التي تفتقد الثقة في ما بينها خصوصاً في موضوع الساعة وهو التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.

وفقاً لمصادر نيابية سيادية، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يحاول جر فريق المعارضة وتحديداً كتلة “القوات اللبنانية”، لانتزاع موافقته على شرعية جلسات التشريع التي يعقدها المجلس النيابي بغياب رئيس للجمهورية، وأن يصار إلى المماطلة وإطالة أمد مناقشة اقتراحات ومشاريع القوانين المحالة على الهيئة العامة قبل الوصول إلى بند التمديد للعماد عون، ثم يصار إما إلى تطيير النصاب أو تدخل الحكومة بشخص رئيسها نجيب ميقاتي طالباً إعطاء حكومته وقتاً قصيراً لمناقشة تأجيل تسريح قائد الجيش لاقراره في الحكومة.

وتضيف المصادر: “ان هذا الأمر غير مقبول لجهة عدم وجود ثقة بشخص الرئيس بري، ومن ناحية ثانية فإن إصدار مرسوم تأجيل تسريح قائد الجيش يجب أن يكون بناء على اقتراح من وزير الدفاع موريس سليم المعروف انضباطه والتزامه بقرارات التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل المعارض للتمديد لعون وبالتالي لن يمر عبر الحكومة”.

ووفقاً لمعلومات حصل عليها “لبنان الكبير”، فإن احتمال ملء الفراغات في المجلس العسكري عبر مرسوم تصدره الحكومة وارد جداً لكي تنتظم الهيكلية القيادية في المؤسسة العسكرية، ويصبح بالتالي رئيس الأركان المعيّن قادراً على تولي مهام قائد الجيش عند إحالة العماد عون على التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل.

غير أن الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عبّر مراراً عن رفضه تعيين رئيس للأركان قبل التمديد لقائد الجيش أو على الأقل تعيين قائد جديد للجيش، وذلك تفادياً لأن تؤؤل القيادة إلى ضابط درزي، وهو العرف المتبع في القيادة العسكرية بحيث أن رئيس الأركان هو من طائفة الموحدين الدروز، وتحاشياً لمزيد من الامتعاض لدى “الموارنة” الذين يرون نتيجة خلافاتهم أن مناصبهم الرفيعة في الادارة إما تعاني من فراغ كما هي حال رئاسة الجمهورية، أو تؤول إلى أبناء طوائف أخرى كما هي الحال مع حاكم مصرف لبنان الذي انتهت ولايته وآل المنصب إلى نائبه الأول الشيعي.

وترى مصادر دستورية وقانونية أن إصدار مرسوم تأجيل تسريح قائد الجيش عن الحكومة ومن دون اقتراح من وزير الدفاع المقاطع للجلسات الوزارية، قابل للطعن أمام المجلس الدستوري بسهولة، وهذا الموضوع يضع قيادة الجيش في مهب الريح وأمام فراغ محتمل، في وقت تعيش فيه البلاد أزمات غير مسبوقة وتعاني الحدود الجنوبية من تهديدات إسرائيلية وحالة حرب فعلية تجعل من الخلل في قيادة الجيش أمراً غير محمود قد يطيح آخر ما تبقى من مؤسسات عاملة في الدولة المنهارة.

وإذا كانت الثقة مفقودة بين الرئيس بري و”القوات اللبنانية” من جهة، فإن الثقة مفقودة أيضاً بين باقي المكونات السياسية المتحالفة والمتخاصمة على السواء. فالنائب سامي الجميل وكتلة نواب “الكتائب”، لا يزالان لغاية الساعة “يدرسان” مسألة المشاركة في الجلسة التشريعية من عدمها، على الرغم من إعلان النائب الجميل الصريح تأييده لتأجيل تسريح العماد عون، لكن “نقزته” من “القوات اللبنانية” وتحديداً من رئيسها سمير جعجع، تجعله متردداً في إعطاء ورقة دفع سياسية وشعبية إذا شارك في الجلسة وأيد قانون التمديد لعون.

واللاثقة أيضاً موجودة لدى زعيم تيار “المردة” المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، فهو أمام تردده في الموافقة على التمديد لعون وعدم الموافقة كما جرى تسريب المعلومات بعيد لقائه النائب باسيل في بنشعي، يدرس احتمالاته وفقاً لما قد يعنيه حصول قانون التمديد في المجلس النيابي على عدد كبير من أصوات النواب، ما يشكّل استفتاء على احتمال ترشيح عون كشخصية ثالثة إلى الرئاسة، فيضعف حظوظه على الرغم من استمرار الثنائي الشيعي في التمسك به مرشحاً وحيداً للرئاسة.

والتردد وعدم الثقة موجودان أيضاً لدى الكتلة النيابية السنية المشتتة بعد إعلان رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري اعتكافه، فالعدد الكبير من النواب السنة يسير في قرار التمديد لعون، لكن الحسابات لدى كل “طامح” من بينهم الى دور مستقبلي، يجعلهم كتلة مشتتة ويوجهون الاتهامات الى بعضهم البعض في إخفاء نواياهم الحقيقية ما يجعل من دورهم على الرغم من أهميته الفائقة بالنسبة الى النصاب النيابي، غير ذي فاعلية.

دولة مفككة، وبنيان يتهاوى أمام أعين المسؤولين، واستحقاقات مصيرية على الأبواب، ولا يزال عامل الثقة مفقوداً بين من أوكلت إليهم مهمة صيانة الحياة الدستورية، فلا يقومون بالحد الأدنى من واجباتهم في انتخاب رئيس للجمهورية، مهما كان اسم هذا الرئيس، إذ إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد، تجعل من الأهمية القصوى وجود شخص على كرسي بعبدا، ويختلفون حول هوية قائد الجيش ما يجعل من عملية التمديد حاجة ماسة لعدم تعريض المؤسسة الى اهتزازات داخلية تضع وحدتها ومصيرها أمام المجهول.

شارك المقال