مصير لبنان في مهب معادلة “الكلمة للميدان”!

جورج حايك
جورج حايك

ما يعيشه جنوب لبنان حالياً من اشتباكات بين “حزب الله” واسرائيل، يرتبط بحسابات إيران الاستراتيجية، وليس “الحزب” سوى منفّذ لهذه الأجندة بهدف إبقاء مرجعيته الايرانية في صلب أي عملية تفاوضية في ما يخص الشرق الأوسط عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً. ولأن القرار ليس لدى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، أطلق على هذه المرحلة شعار “الكلمة للميدان”، ويبقى الجنوبيون ضحية هذا الشعار الذي ارتد عليهم تهجيراً وموتاً وضرباً للدورة الاقتصادية والاجتماعية.

لا شك في أن “الحزب” مربك في ظل الحرب الضارية التي تخوضها اسرائيل ضد “حماس” في غزة، وبالتالي هو يخفي ارباكه بالغموض والمناوشات بينه وبين الاسرائيليين جنوباً، إلا أنه ليس قادراً على وقف الحرب والتراجع ولا الذهاب إلى تصعيد أكبر لأن مرجعيته الايرانية تريد إبقاء الجبهة ضمن ضوابط معينة خوفاً من توسّع الحرب، وانعكاس ذلك على النظام الايراني. لذلك، يقوم الاعلام الحربي لـ”الحزب” بإصدار فيديوهات عن عمليات عسكرية “استعراضية” تحت عنوان “الكلمة للميدان” موجّهة إلى بيئته، فيما لا يجرؤ على الكلام عن خسائره التي استهدفتها اسرائيل ومنها البنية التحتية العسكرية واغتيال قادة ميدانيين وارتفاع عدد قتلاه إلى ما فوق الـ100، وتهجير الجنوبيين وعيش اللبنانيين في رعب الانجرار إلى حرب لا يريدونها.

ولعل شعار “الكلمة للميدان” يوحي بأن نصر الله لن يتخذ أي قرار بإعلان الحرب، إنما ترك الأمر للتطورات العسكرية في الميدان مع إمكان تدحرج المواجهات بحسب ما يقدّره المقاتلون من الجانبين أي اسرائيل و”الحزب”، وهكذا يكون قد وضع مصير لبنان في مهب “المجهول” أو كارثة ممكن أن يجرّ اليها أي خطأ عسكري من الجانبين.

أما الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة فيقول: “الكلمة للميدان ليست معادلة عسكرية، إنما هي مصطلح اعلامي يمكن ترجمته بأن هناك تعثّراً سياسياً لتحقيق هدف معين، فنذهب إلى الميدان أو الحرب كوسيلة لتحقيق أهداف يتعذّر تحقيقها بوسائل أخرى ديبلوماسية وسياسية، بمعنى آخر أنه استنفد كل المحاولات في الذهاب إلى خيار آخر، ففرض الميدان نفسه”.

ونسأل حمادة: هل ينتظر نصر الله ايقاع الحرب في غزة ليصعّد الجبهة الجنوبية أو يُهدئها؟ فيجيب: “لا أعتقد ذلك، لأن نصر الله ليس المسؤول عن قرار تصعيد الحرب في الجنوب، أي لا يملك السيطرة على الوسائل والامكانات الموجودة بتصرف الحزب ليقرر حرباً، بل يجب أن نراقب توجّهات إيران لحماية مصالحها في المنطقة، وبالتالي الحزب كذراع عسكرية لايران هو ورقة تفاوض، وهي من تقرر مستوى التدخل العسكري أو تراجعه إلى الليطاني، حتى أن النظام الايراني إذا شاء أن يخسر الحزب معركة مقابل صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية، فلن يكون لنصر الله القدرة على الرفض”.

من جهة أخرى، أطلق نصر الله شعار “الكلمة للميدان” واختار الصمت مجدداً وكأنه يهرب من مواقف محرجة تتطلب قراراً أكبر منه كالالتزام بالقرار 1701، وهذا ما يؤكّد كلام العميد حمادة بأنه لا يملك القرار في هذه الحرب، ويرى أن “نصر الله ليس سوى واجهة للموقف الايراني حيال ما يجري في الجنوب، وهو يعبّر عن هذا الموقف تارة ببيان وطوراً بكلمة”.

ويلفت حمادة إلى أن “القرار 1701 هو بين الدولة اللبنانية واسرائيل بالشكل، بينما هو بين إيران واسرائيل برعاية أميركية بالفعل، لذلك نشهد قصفاً للقرار من اسرائيل والحزب وسط صمت دولي وإرباك لبناني”.

لكن “الكلمة للميدان” قد تتحوّل حرباً مفتوحة بين اسرائيل و”الحزب” وخصوصاً بعد تهديدات الأولى بتطبيق القرار 1701 بالقوة وإرجاع “الحزب” إلى شمال الليطاني حتى تتمكن من إعادة سكّان شمال اسرائيل إلى بيوتهم، فيما يشير حمادة إلى أن “أيّ عمل عسكري يتجاوز مسألة عودة سكّان شمال اسرائيل إلى بيوتهم، هذا سبب ظاهري، والحقيقة أن إجبار الحزب على التراجع إلى شمال الليطاني يصبّ في خانة المشروع الكبير الذي تهندسه الولايات المتحدة الأميركية، وتطلب من حلفائها في المنطقة الذين يدورون في فلكها ومن ضمنهم إيران، تطبيقه، وبالتالي مسألة أمن اسرائيل تتعلق بالحدود اللبنانية والحدود السورية، والأمر نفسه في غزة، وهذا يتجاوز شعارات نصر الله ومعادلاته، فعندما نتكلّم عن معادلة أمن اسرائيل يصبح الأمر مرتبطاً بهندسة الولايات المتحدة للمنطقة”.

إذاً ما يحصل في الجنوب اللبناني من مناوشات بين اسرائيل و”حزب الله” لا يشبه ما يجري في غزة، صحيح أن الميدانين يشهدان عمليات عسكرية، لكن الأهداف مختلفة، وهذا ما يوضحه حمادة: “حتماً الفلسطيني يخوض في غزة معركة ضارية لا تنازلات فيها، أما في جنوب لبنان فتحاول إيران أن تقول نحن هنا، وتطرح نفسها كطرف أساس في معادلة أمن اسرائيل عبر مواقع ذراعها العسكرية في الجنوب، فيما الحدود السورية تقع على عاتق روسيا التي تضمن أمن اسرائيل من جهة الحدود السورية، وهنا أيضاً الروسي حاضر في المعادلة وإلا ماذا يمنع الحزب من إطلاق الصواريخ على الجولان؟”.

ويضيف: “لا ندري قد تُجبر اخفاقات اسرائيل في غزة وعدم قدرتها على الحسم على أن يصبح التدخل الروسي مطلباً اسرائيلياً، فرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ترك جلسة حكومية ليتكلّم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ يومين، وهذا له دلالاته”.

في ظلّ الحسابات الكبيرة في المنطقة يبدو أن هناك ضحايا يتساقطون لا علاقة لهم بالميدان ولا بالحرب، ولا سيما الجيش اللبناني الذي استهدفت اسرائيل موقعه في النبي عويضة – العديسة، ويعتبر حمادة أن “هذا الموقع هو مركز عسكري يتمتع بمواصفات فريدة لجهة الاشراف على المطلة وسهل الخيام، وربما كانت هناك رسالة اسرائيلية تريد أن تقول ان هذا الموقع مُدرج في لائحة الأهداف الاسرائيلية لأسباب يعرفها العدو وحده”.

أما الضحية الأكبر فهم الجنوبيون الذين تعرضوا لأضرار كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بل لبنان كلّه ضحية محور الممانعة، ويشعر أنه متروك وحده، يتحمّل المصائب التي تسببها مغامرات “حزب الله” خدمة لايران. ويختم حمادة: “المؤسف أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال ان لا علاقة له بقرار السلم والحرب، علماً أن اللبنانيين يعرفون ذلك، لكن على الحكومة أن تستعيد قرار السلم والحرب وليس التسليم بالأمر الواقع، إنما فعلياً لقد تقاعدت الحكومة عن هذه الوظيفة وبات دور الجيش اللبناني أن ينقل عناصر حزب الله المصابين إلى المستشفيات، أي صليب أحمر بزيّ مرقّط”.

شارك المقال