هل تحسم بكركي معركة التمديد لقائد الجيش في اللحظة الأخيرة؟

جورج حايك
جورج حايك

تتجه الأنظار حالياً إلى بكركي وسط احتدام معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، وخصوصاً مع الفخ الذي ينصبه “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإعلان المعارضة ولا سيما رأس حربتها “القوات اللبنانية” التصعيد بدءاً من الاضراب اليوم الذي ستواكبه تجمعات شعبية، وخطوات أخرى لمواجهة ما يحصل.

من المؤكد أن بكركي ليست على الحياد أو مكتوفة اليدين في هذه المعركة، لأن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حذّر منذ مطلع سنة 2023، من خطورة السيناريو الذي يُجرى تحضيره للاستيلاء على المواقع المارونية في الدولة، بدءاً من رئاسة الجمهورية، مروراً بحاكمية مصرف لبنان وصولاً إلى قيادة الجيش.

ويبدو أن ما حذّرت منه بكركي يحصل على نحو واضح بقيادة “حزب الله” ومساعدة باسيل وميقاتي، إذ بات أمراً واقعاً، وهي تراقب خطوة رئيس الحكومة بالدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل للتمديد لقائد الجيش الذي لن يحظى بموافقة وزير الدفاع موريس سليم ولن يوقّع عليه، وبالتالي سيقدم مجلس الوزراء على خطوة غير قانونية ما سيسمح للنائب باسيل بالطعن أمام مجلس الشورى، وحتماً الهدف منها قطع الطريق على التمديد الفعلي في مجلس النواب، وإبقاء موقع القيادة شاغراً، وتكون قد أدخلت المؤسسة العسكرية في فراغ وفوضى كبيرين.

حتماً تشير المعطيات الى أن بكركي ليست موافقة على هذه العملية للتخلّص من العماد عون لأسباب شخصية متعلقة بطموحات باسيل الرئاسية، وقد أعلن البطريرك الراعي موقفه الصريح علناً من خلال عظاته يوم الأحد وفي المجالس الخاصة.

وتعرف بكركي أن البديل سيكون تعيين رئيس أركان ومجلس عسكري من دون قائد للجيش، لذلك تشعر أنها مستهدفة كمرجعية وطنية مارونية، وهذه ليست مجرد شكوك ولا تأتي من فراغ بعد ما تم تسريبه في الساعات الماضية عن مناورات وتمييع وتبادل للكرة بين المعنيين، علماً أن وعوداً قاطعة تلقاها سيد بكركي من الرئيس نبيه بري والرئيس ميقاتي بأنهما لن يسمحا بالفراغ في قيادة الجيش، وأن التمديد للعماد عون مسلّم به.

وتكشف المعطيات أن بكركي غير مرتاحة للمماطلة وتؤيد التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب، وتحمّل المسؤولية إلى الفريق الذي يتحكّم بالسلطة ويعطّل رئاسة الجمهورية وينكّل بها وتغييب الرئيس الماروني للدولة، مروراً بما تعرّض له موقع حاكمية مصرف لبنان وتغييب الحاكم الماروني، وما تعرّض ولا يزال يتعرّض له مجلس القضاء الأعلى من خلال رئيسه الماروني من ضغوط وحصار وتعطيل، إضافة إلى تهميش موقع المدير العام لوزارة المالية، وغيرها من المواقع وصولاً إلى قيادة الجيش التي تشكل موقعاً من الثوابت المسيحية في الدولة ولا يمكن التسليم بتعريضه للتعطيل.

وتفيد المعطيات من بكركي بأن البطريرك الراعي يجري الاتصالات اللازمة لمعالجة الموضوع بعيداً عن الاعلام والتحدي السياسي واللكمات المتبادلة بين فريقي السلطة والمعارضة، ولا شك في أن البطريركية المارونية هي المعنية الأولى بقضية قائد الجيش وما يرمز إليه وطنياً عموماً ومسيحياً خصوصاً.

وتبلغت بكركي ما قاله باسيل في المؤتمر الصحافي منذ يومين عن العماد عون ووصفه بالخيانة وقلة الوفاء، إلا أنها لا تعلّق على هذه التهجّمات ولا تنجر الى هذا المستوى من السجال الذي يضر ولا ينفع، لأنها مهتمة بإنقاذ الكيان، ولا تعنيها تصفية الحسابات والاقتصاص من قائد الجيش، وهي لا تعتبره فاسداً وقليل الوفاء علماً أنها ثابتة على موقفها الداعم للتمديد، ولا كلام باسيل ولا غيره سيغيّر موقف البطريركية المارونية.

إلا أن معطيات بكركي تتهيّب خطورة ما أقدم عليه ميقاتي إذ وضع نفسه في مواجهة المرجعية المسيحية الأولى، أي البطريركية المارونية في تحديها بصورة سافرة من خلال “تطيير” المنصب الماروني الوحيد الباقي في الدولة بعد تطيير منصبي رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، إضافة الى أن العماد عون صار في نظر المراجع الدولية، رمزاً للسيادة الوطنية في أخطر مرحلة يمر فيها لبنان. فتنفيذ القرار 1701 الذي يطرح دولياً سيكون مرتبطاً بوجود قائد الجيش الحالي، ويتوقف على هذا القرار خلاص لبنان من حرب مدمرة تتجمع غيومها في الجنوب منذ أسابيع.

كذلك، عرفت بكركي بأجواء التصعيد التي تنوي المعارضة ولا سيما “القوات اللبنانية” القيام بها من الاعلام، كالاضراب والتجمعات الشعبية وما إلى ذلك، إلا أنها لم تجرِ اتصالات مع أحد في هذا الشأن، لأن بكركي لا دور سياسي أو تعبويّ تقوم به، بل ان مواقفها معلنة والسقف السياسي الوطني الذي تعمل به يحدده البطريرك الراعي في عظات الأحد وبيانات مجلس المطارنة الشهرية انطلاقاً من ثوابتها التاريخية، وبالتالي ما تحضّره المعارضة ليس شأنها ولا يجري بالتنسيق معها.

وتؤكد المعطيات أن بكركي تستشعر هدف الفريق الذي يرفض التمديد، إذ يريد شلّ الجيش وتعطيله كآخر مؤسسة لم تفرّغ ولم يتم وضع اليد عليها بعد، أي أنه يريد كشف لبنان، ومن يساهم في إسقاط التمديد سيتحمّل أمام الله والشعب والتاريخ مسؤولية ما ينتظر لبنان واللبنانيين.

فالجيش، وفق بكركي، هو آخر ركيزة في الدولة يعتمد عليها لبنان الرسمي، لذلك يحرص البطريرك الراعي على رفع الصوت، ويعمل جاهداً لحماية قيادة الجيش من الاستهداف الواضح، ويتعامل مع ما يحصل من تطورات على هذا الصعيد كظرف استثنائي، وليس مستبعداً أن يتدخل بصورة حاسمة في اللحظة الأخيرة لإنهاء الأزمة وتمرير التمديد لقائد الجيش بسلام.

شارك المقال