الانقلاب المنسق سياسياً لإطاحة التمديد لقائد الجيش

زياد سامي عيتاني

“كلام الليل يمحوه النهار”، مثل لبناني، إذا ما تم عكسه ليصبح “كلام النهار، يمحوه الليل”، ينطبق تماماً على موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون! فالانقلاب المفاجئ على التمديد لعون في جلسة مجلس النواب المقررة اليوم الخميس، أعاد التذكير بالعام ١٩٧٠، عندما نام الرئيس الراحل إلياس سركيس رئيساً للجمهورية واستفاق على معركة حقيقية في جلسة الانتخاب في المجلس النيابي، والتي شهدت منافسة حقيقية بينه وبين سليمان فرنجية الجد، وفاز فيها فرنجية “على المنخار” بفارق صوت واحد (!) ومن يومها إشتهرت عبارة “ينام اللبنانيون على شيء، ويفيقون على شيء آخر”.

منذ أن فتح ملف إستدراك الشغور في موقع قائد الجيش، وإرتفاع أسهم التمديد للعماد عون، بسبب الشغور الرئاسي من جهة، ولعدم تعيين رئيس للأركان (يحل مكان قائد الجيش في حال شغور الموقع) من جهة أخرى، تحول الموضوع إلى ما يشبه لعبة الأطفال “يا طالعة يا نازلة”، ما يعكس الخفة والمراهقة السياسية في التعاطي مع موضوع بهذه الأهمية، خصوصاً في وقت يمر فيه لبنان بأخطر مرحلة منذ تأسيسه. بداية تم الاتفاق على تمديد ولاية القائد في مجلس الوزراء، ومع الرفض القاطع لجبران باسيل لهذا التمديد، فإن وزير “دفاعه” لن يقدم الاقتراح (وفقاً لقانون الدفاع)، ما يكبل مجلس الوزراء للمضي في هذا الاتجاه. وعليه، خلصت الاتصالات السياسية إلى أن يتم التمديد في المجلس النيابي، الذي قبل رئيسه بالمسؤولية ودعا الى جلسة تعقد الخميس، قبل أن يتراجع، مفضلاً إعطاء الأولوية مجدداً للحكومة التي يفترض أن تجتمع الجمعة.

وعلى الرغم من أن الجلسة التشريعية التي دعا إليها الرئيس بري اليوم، كانت تشكل الفرصة الأخيرة لاقرار التمديد لقائد الجيش لسنة وتفادي الفراغ في قيادة الجيش، خصوصاً في ظل الأوضاع المتفجرة في الجنوب اللبناني التي تستدعي المتابعة، فان هذه الفرصة أطيح بها، بما يمكن إعتباره إنقلاباً على الوعود التي قطعت للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بإقرار التمديد وعدم الاستمرار في تفريغ المواقع المارونية بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، لا سيما وأن العماد عون يتمتع بتأييد دولي وإقليمي، فضلاً عن دعم داخلي، بحيث يحظى بموافقة كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان، ما عدا “التيار الوطني الحر”. وهذا الانقلاب وفقاً لمصادر سياسية، جاء نتيجة تفاهم “من تحت الطاولة” بين الرئيسين بري وميقاتي، بمباركة من “حزب الله”، الذي بقي موقفه حتى اللحظة الأخيرة مبهماً، اذ انه كان يبلغ مراجعيه بأنه سيبلغ موقفه في خصوص التمديد ليلة الجلسة وليس قبل ذلك.

السيناريو الانقلابي المعتمد لإطاحة التمديد، من الواضح أنه منسق بين الرئيسين بري وميقاتي، من خلال إعادة رمي كرة التمديد إلى مجلس الوزراء، بحيث وضع الرئيس بري اقتراح القانون المعجل المكرر حول التمديد في الجلسة التشريعية في آخر جدول الأعمال، ويخشى أن يطول النقاش في مشاريع القوانين التي تسبقه بهدف تأخير النقاش في التمديد، وبالتالي رفع الرئيس بري الجلسة، على أن يؤجل باقي جدول الأعمال الى جلسة لاحقة.

وفي موازة ذلك، دعا الرئيس ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء قبل ظهر الجمعة بهدف تأجيل تسريح قائد الجيش 6 أشهر من دون اقتراح من وزير الدفاع موريس سليم، ما يفقده قانونيته، وبالتالي يجعله عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، من “التيار الوطني الحر”، مع ترجيح قبول المجلس للطعن لأنه لن يترافق مع توقيع وزير الدفاع، خصوصاً وأنه أسير التأثيرات السياسية، بما قد يطيح العملية برمتها.

كل هذه الارباكات المتعمدة والمقصودة، المنسقة خلف الجدران المغلقة بين دعاة التمديد المؤقت للعماد عون، هي تأكيد على قرار غير معلن بأن يغادر في العاشر من كانون الثاني المقبل إلى منزله، تحفيزاً للخيارات الأخرى.

شارك المقال