“حماس”… وغلطة “الشاطر” في لبنان!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

تركت دعوة حركة “حماس” – لبنان الأسبوع الماضي إلى تشكيل “طلائع طوفان الأقصى” – على الرغم من التوضيحات اللاحقة بأن لا هدف عسكرياً لها – إستياءً عارماً في لبنان وتساؤلات كانت قد بدأت في الصيف الماضي لدى إندلاع معارك مخيم عين الحلوة. هذه التساؤلات والتحليلات التي ربطت بين المعارك يومها وبين خطط “حماس” – ومن ورائها محور الممانعة الايراني – لمحاولة السيطرة على المخيمات وسحبها من يد حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية، تمهيداً لجعلها ورقة بيد هذا المحور على خلفية وحدة الساحات التي أطلقها، لتأتي التطورات اللاحقة من عملية “طوفان الأقصى” في غزة وتداعياتها ومنها الاعلان عن تشكيل “الطلائع” فتعطي مصداقية لهذه التساؤلات والتحليلات للأسف الشديد.

المثير في الأمر أن هذا الاعلان وقد جاء في خضم معركة “طوفان الأقصى” سواء في غزة أو عملية “الإشغال” الجارية على الحدود الجنوبية للبنان من “حزب الله” تأكيداً منه على مقولة وحدة الساحات، قد إقتصر على الساحة اللبنانية دون غيرها من الساحات العربية الأقرب إلى غزة كمصر مثلاً والأردن الأقرب إلى الضفة الغربية عدا عن سوريا التي يعتبر نظامها منذ الأسد الأب فلسطين أنها جنوب سوريا، ما جعله يبدو وكأنه رد من محور الممانعة على مطالبة أميركا والغرب بضرورة التطبيق الفعلي للقرار 1701 في الجنوب، الأمر الذي أثار المخاوف والتساؤلات عن كونه مجرد مناورة سياسية أم قراراً جدياً بالمواجهة، لأنه ذكَّر اللبنانيين بقرار التجديد لاميل لحود العام 2004 وما جرَّه على لبنان من تداعيات كارثية، وهو القرار الذي أتى يومها رداً على مطالبة الغرب لسوريا بتطبيق القرار 1559، فضلاً عن تذكيرهم بمضاعفات قرار كهذا كان قد اتخذ في العام 1969 وتمت قوننته بإتفاق القاهرة، الذي لا نبالغ إن قلنا بأن كل ما حصل ويحصل في لبنان منذ حوالي نصف قرن إنما هو من تداعياته. وهذا ما جعل وقع الاعلان سيئاً على اللبنانيين لدرجة أنه كان بمثابة صب الزيت على نار الخلافات اللبنانية الداخلية، فأخرج بعض الأفاعي “الطائفية السياسية” من جحورها لاستغلالها والنبش في الماضي في محاولة منه لاستعادتها خدمة لأجنداته السياسية، وما جعل منه بمثابة “غلطة الشاطر” بالنسبة الى حركة “حماس” سواء في مضمونه أو توقيته الذي بدا أيضاً وكأنه إستغلال للتعاطف الشعبي اللبناني مع مأساة غزة، فكاد أن يطيح بعض هذا التعاطف ودق إسفين في العلاقة بين الشعبين، وهو ما سارعت الحركة الى تداركه على ما يبدو عبر التوضيح أن الاعلان لا يلحظ أي دور عسكري للطلائع بل تجميع للطاقات الشبابية الفلسطينية في أنشطة مدنية وإجتماعية، وإن كان التوضيح لم يفِ بالغرض تماماً ولم يُقنع أحداً، فما قيل قد قيل وليس من السهل التغاضي عنه حتى داخل بيئة “حزب الله” الذي يمثِّل المقاومة في لبنان ورأس حربة محور الممانعة في المنطقة، التي لا يمكن أن يمر إعلان كهذا عندها مرور الكرام إذا ما كان القرار جدياً نظراً الى التجارب السابقة، فضلاً عن مناصري حركة “أمل” والمنضوين تحت رايتها هي التي خاضت حرب مخيمات طاحنة في ثمانينيات القرن الماضي تحت شعار أن لا عودة الى ما قبل العام 1982 بشأن السلاح الفلسطيني في لبنان، هذا من دون أن ننسى موقف المكوِّن السني اللبناني الرافض بمجمله، خصوصاً وأن إعلان “حماس” يُعتبَر مناقضاً تماماً لاتفاق الطائف الذي يردد دائماً سُنَّة لبنان بأن كل تحركاتهم هي تحت سقف هذا الاتفاق الذي لا يرضون عنه بديلاً على الأقل في الوقت الحاضر، وهم المكوِّن الأكثر تمسكاً اليوم بعروبة لبنان إنتماءً وقناعة بأن مصلحة لبنان هي في العلاقات المميزة مع المحيط العربي، من دون أن يعني هذا تناقضاً أو تخلياً عن الالتزام بشعار لبنان أولاً الذي رفعوه وعملوا بهديه بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وقد كلَّفهم هذا الالتزام الكثير من التضحيات بحيث تضافرت ضدهم غالبية أطراف الصراع في البلد، وتلقوا الطعنات من الحليف قبل الخصم في محاولة لأخذهم إلى خيارات إنتحارية سواء في الاقليم عبر تحالفات بعيدة عن الخط العربي، أو داخلياً عبر محاولة جرِّهم إلى القوقعة والانعزال تارة وأخرى عبر جرِّهم إلى مواجهات لا طائل منها.

من هنا، وإنطلاقاً من مقولة “صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك” نقول للأخوة في “حماس” ما يعرفونه على ما أعتقد أو على الأقل لا يخفى عليهم، وهو أن لبنان الرسمي والشعبي بغالبيته الساحقة لا يمكن أن يجاريهم في ما يضره ولا ينفعهم، وأنه في وضعه الحالي ليس قادراً على أكثر من الدعم السياسي والاعلامي، وعليهم مراعاة ذلك بدل الالتفات إلى بعض الأصوات النشاز أصحاب المشاريع السياسية العابرة للدول التي لا تريد لهم أكثر من أن يكونوا ورقة بأيديهم “يلعبون” بها على مائدة التفاوض متى حل أوانه دفاعاً عن مصالح لا تمت بصلة الى مصلحة الشعب الفلسطيني المظلوم. ولن نقول أكثر من أن عليهم أخذ العبر من التجارب السابقة في لبنان ومآلاتها، خصوصاً وأنهم للأمانة لا يمتلكون ما كانت تمتلكه “فتح” يومها من قوة، ولا ما كان يمتلكه ياسر عرفات من رمزية وتاريخ وقوة سياسية وحضور فلسطيني وعربي ودولي، ومع ذلك كان ما كان وقُضي الأمر يومها بالخروج من بيروت بثمن باهظ لكل من فلسطين ولبنان. فهل ستُكرِّر “حماس” التجربة متخلية بذلك عن “عقلانيتها”، لتُلدغ من حيث لا يُلدغ المؤمن عادة مرتين – وهي المفروض أنها حركة مؤمنة – من جحر المصالح العربية والدولية المتضاربة في لبنان مرة أخرى؟ هذا ما ستكشفه لنا التطورات في الأسابيع أو الأشهر المقبلة… وإنا منتظرون.

شارك المقال